الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

عينا الزمرد - قصة قصيرة ,












*عينا الزمرد*


"انتظرني يا صغيري هنا .. سأحضر لك بعض الحلوى و أعود"
كانت هذه الكلمات آخر ما سمعها مِن أمه قبل سبع سنين ؛ رابه في ذلك الوقت نبرة صوتها اللطيفة الغير معتادة بالنسبة له .
لكن لا حقًا , حينما لم تعد لذلك الطفل القبيح البشع كما تصفه .. ارتعد رعبًا فهو لا يعلم ما الذي جعل أمه تتأخر..
ما الذي حدث مع أمه التي لا يقيس عشقه لها مقياس , أمه التي كرهها له لا تحصي مقداره أرقام ؟
جرجر خطاهُ بحثًا عنها , لم يهتم يومًا إن كانت لا تحبه أو تهينه حتى عندما تناديه بـ "أيها القبيح الأسود , تعال هنا" لم يحمل عليها في قلبه مقدار ذرةٍ مِن الكره فما يهمه أنه هو يحبها.
"ماما , ماما" كان يجول بالطرقات مناديًا لم يخل أنها يومًا ستتركه و تنفذ وعدها.
لم يعبأ بنظراتِ الناس المشمئزة له و لا تعجبهم عن عيناه الجميلتان.
يعرف تمام المعرفة أنهم يتساءلون بذاتهم "كيف لهذا القبيح الأسود , عينان خضروات واسعتان براقتان ؟"
عيناه آسره , ما أن تقع عيناك على عيناه حتى تخنع ملامحك و تضمحل قواك.
بقيّ يسير بلا هدى , بلا مكان يفيء إليه و لا جرعةُ ماءٍ باردة يفثأ بها هذهِ الصارة.
من قد يأوي أسود قبيح أو يساعده ؟
سأل ذاته , لكن لم يجد جواب أكثر شمولًا مِن " لا أحد "
"ماما , أنا عطشان " حدث نفسه  و قد اغرورقت عيناه الخضروات و فاضت بالدموع.
أمسى أسير ظلمة الليل الحالكة ، ضغط بطنه بيداه الصغيرتان و مرر لسانه بين شفتاه الكبيرتان. 
إنه جائع عطش تائه و مشتاق. 
" ماما .. أنا جائع ، لا بأس بفضلة طعامكِ و لا بأس بذلك الكوب المكسور الذي جرح شفتاي مراتٍ و مراتٍ " كفكف دمع عينيه بباطن كفيه و اردف حديث ذاته " ماما أنا لم أتذمر يومًا ، ماما أنا أحبكِ كثيرًا " 
توقف عن السير ، لم يستطع الحراك أكثر و لم يعد بإمكانه رؤية أي شيءٍ من حوله فقد تراكمت السحب حابسةً ضوء القمر
لم يكن الظلام الذي يعيش في غرفته المهملة يخيفه بل إنه صديقهُ الوحيد. 
" أنت أسود مثلي ، ماما دائمًا ما تقول ليّ إني أسود قبيح مُظلم "
استند على حاوية نفايات و رأسه لأعلى و حبس الكلام و العبرات بداخله , كما أعتاد أن يفعل دومًا .
اخفض جفنيه مغلقًا مصدر البريق الوحيد في المكان ( عيناه الخضراوات )
أصوات الليل الخافتة ، النسيم اللطيف الذي أنقصه كماله رائحة النفايات و الأوساخ حوله و... 
" صوتُ خطوات .. أهيّ ماما ؟!" حدث ذاته بوجل لكن ما لبثت هذه الفرحة إلا أن تضمحل " لأنها ليست خطوات ماما .. خطوات ماما مختلفة "
فلم ينبس ببنت شفة و راقب من خلف القمامة رجل ضخم الجثة يتخبط في مشيه رمى كيسًا اثناء سيره. 
تابع بعينا الزمرد الرجل حتى تلاشى من ناظريه. 
فأنقض على الكيس الذي فاحت منه رائحة الطعام بوجل و بنهم بدأ يأكل بقايا وجبة سريعة و يرتشف القطرات المتبقية من علبة ماءٍ في الكيس ذاته. 
" ماما ، سأجدكِ و أتناول الحلوى التي ستحضرينها ليّ "
و ارخى جسده على كومةٍ من التراب فنام و رسم شدقيه ابتسامة قلبهِ الجميل .
***

" لالالا ! لا تفعل .. لن أفعلها مُجددًا" 
نفذ صراخ النجدة إلى أذن الصغير فجعله يفيق فزعًا. 
لم ينبس ببنت شفةٍ حينما أراه ضوء القمر بعدما انقشعت الغيوم حوله ، رجلٌ يشهر بسكينةٍ في وجه آخر ملقى على الأرض. 
" لا تفعل " صرخ الصغير بلا وعيّ منه. 
استدار الرجلان ... عجزا لأول وهلةٍ تحديد إن كان الصوت يعود لبشري أم لشبح ! فلم يكن جسده الأسود مساعدًا ليراه الناس في الظلام ، لكن ببريق عيناه و قليل من ضوء القمر نطق الرجل الواقف :" مجرد طفل " 
كرر الصغير سائرًا إليهما و عيناه مثبتة في عينيّ الرجل الاول :" لا تفعل ، لا تفعل ، لا تفعل " كانت وتيرة هادئة عميقة. 
راقب الرجل حركات الطفل في هدوء و سرعان ما أسقط السكينة من يده فما كان مِن الآخر إلا أن يهرب بعيدًا.
" شكرًا لأنك فعلت هذا " شكره الصغير بأمتنان بالغ عندما توقف بجانب الرجل. 
جلس  على الأرض مُحاذيًا طول الصغير و ماثلًا أمام الصغير كما العبد بين يديّ مولاه. 
فقال له الطفل :" هل رأيت ماما ؟"
نفى برأسه فتنهد الصغير بأسى. 
رفع الرجل يديه إلى كتفي الصغير و نطق :" لكنيّ وجدتك أنت ... أنت رائع " 
و ضمه إلى صدره ، كانت المرة الأولى التي يقترب فيها منه أحد ، المرة الأولى التي يحدثه أحد ، المرة الأولى التي يتقبله فيها أحد ، المرة الأولى التي يعانقه فيها أحد و المرة الأولى التي يمتدحه فيها أحد. 
فنطق الطفل بفرح :" أنت أول حياتي "
***
علم الصغير لاحقًا أن الرجل يحمل اسم (ميليك هاڤي) طبيب و عالم متمرس في علوم النفس و الظواهر الغريبة. 
أخبره أنه يمتلك موهبة خارقة للسيطرة على من يريد باستخدام القوى التي يستطيع تركيزها في عينيه و يجعل من يشاء خانعًا بين يديه بتحقيق شرطٍ واحد , أن يجعل الشخص يحدق في عينيه. 
و ذلك أمرٌ يسير ، فلا أحد ينظر إليه إلا و يحدق في عينيه إعجابًا و استخسارًا لوجود جمالٍ كهذا ، وسط قباحةٍ كتلك. 
تلقى عن الطبيب شتى العلوم و عاش معه حتى بلغ الخامسة عشر من العمر بعقلِ و خبرة رجلٌ بالغ في السبعين من العمر.
مرت سبع سنين منذ فقدانهِ والدته حينما كان في الثامنةِ مِن عمره و لم تكن المرة الأولى التي يفقد فيها شخصًا يحبه !
"أول حياتي , فنى بعد سبع سنين .. سبع سنين فقدت شخصًا أعشقه أيضًا فهل ستهديني الحياة حبًا ثالثًا ؟"
نثر الزهور فوق قبر أستاذه و أباه و حياته الأولى كفكف دمعة سقطت لأجل الشخص الوحيد الذي أحبه كما هو و علمه و كرّس بقية حياته لأجله ..
"لما الحياة قاسية ؟" و استعبر باكيًا.
مرّ وقته طائفًا بين ثنايا ذاكرته ..
ها هو يجري أول تجربة حقيقة بعدما أكتشف أستاذه قدرته المتركزة في عينيه.
أشار له أستاذه إلى شابٍ في منتصف عقده الثاني يلج إلى محل مجوهراتٍ خلسة فقال له :"يريد السرقة , فلتمنعه"
أطاع ما قيل له فتبع الرجل في خطاه إلى داخل المحل .
اصطدم بهِ عمدًا فاستدار الرجل باحثُا عمن اصطدم به فأخفض رأسه و اشمئز من الطفل كما يفعل الجميع.
رفع الآخر رأسه إليه و فتح عيناه و أيضًا كالجميع حدق فيهما بإعجابٍ شديد.
لم يُبعد الطفل عيناه بل ثبتهما في عينيّ الرجل و كرر :"لا تفعل .. لا تفعل .. أخرج مِن المحل .. لا تعد للسرقة مُجددًا"
فلم يملك  الطفل إلا الدهشة مما حصل فبلا نقاش فعل الرجل ما أمره به.
بُترت ذكراه حينما سقطت قطرات المطر عليه فنهض و قد أقسم أن ينتقم لقاتل أستاذه !
أعتاد فأصبح لا يهتم و لن يهتم لنظراتِ الناس المستحقرة و المشمئزة و أكمل سيره قاصدًا بيت من يدين له بحياته.
حدث ذاته بغضبٍ مكتوب مستذكرًا يوم أنقذ ذلك الرجل من بين يديّ أستاذه و كيف أن ذات الشخص يعود اليوم ليقتل السيد هاڤي .
"لم يخطر بباليّ أنه سيدخل للمنزل بعد خروجي منه _ أخبرني أستاذي مرةً أن هذا دعس طفله و زوجته بالسيارة و هرب و الشرطة لم تمسكه لكنه كان يعرفه و يعرف أن هذا عن عمد لأنه كان يغار منه لذكاءه و تفوقه في مجال عمله عليه ..
طلب منه مرةً أن يستغيل ليفسح المجال لغيره لكنه رفض و كانت النتيجة أن خسر زوجته و ولده لذا أراد قتله و الأنتقام منه لكن وجودي هناك ذلك اليوم حال دون ذلك .. لكنه أراد من العدالة أن تقام و ما زال يبحث عن الدليل ليسلمه للشرطة و بالأمس وجده.
و اليوم .. قُتل , لا أحد غيره .. فالأدلة ضده أختفت و الشرطة لا تأخذ بأقوالي حتى أن المفتش اشمئز من شكلي كغيره من الناس .. لذا سأنتقم أنا"
قصد الباب الخلفي للمنزل حيثُ كانت الخادمة تُخرج القمامة فذهب إليها و أوقفها.
فقالت :"ماذا تريد أيها الولد!؟"
لم يجبها بل نظر نحو عينيها مباشرة و هي فعلت .. و وقعت تحت سيطرته بسهولة كما تدرب الالاف المرات.
"ستبقين في الخارج و تجلسين على هذا الكرسي " قال بنبرةٍ عميقة هادئة.
و بلا نقاش سارت بخطواتٍ متزنة و جلست فوق الكرسي الذي أُمرت أن تجلس عليه.
ابتسم و سار للداخل كان يعلم مِن أين يدخل و إلى أين يصل , فتجاوز الممرات بخفةٍ دون أن يراه أحد.
كان المنزل خاليًا إلا مِن صوتٍ قادمٍ مِن مسبحٍ داخليّ فقصده .
كانت غرفة جدرانها مِن زُجاج حوت مسبحًا كبيرًا فلم يتردد في الدخول فقد رأى طيف ضحيته يسبح و يعوم في الماء.
ضحك بداخله عما شاهده حينما انتصب ضحيته فزعًا مِن دخوله المفاجئ و خرج من الماء بخطواتٍ مرتبكة و غير متزنة.
حدث ذاته :"كُل تلك العبقرية و الادعاء و لا تجيد السباحة إلا بعواماتِ يدٍ كالأطفال يا تيمي ؟"
"ماذا تُريد !!!" صاح الرجل في وجهه.
كعادته , لم يجب و لم يكن مضطرًا لأن يجيب .. فقط يحدق فيه حتى يقع أسيره !
"إخلع هذه العوامات" قال شاخصًا ببصره لتيمي.
فأطاع.
إقترب مِنه و لم ترمش عيناه لحظة حين قال :"عد للخلف عشر خطوات"
تركه مع عدهِ للخطوة الثالثة  ليلقى مصيره بخطوتهِ العاشرة غرقاً ...
***
سيكمل ما كان أستاذه يعمله و يترك الماضي وراء ظهره.
أو هذا ما كان في إعتقاده...
عاد بخطاه إلى المطبخ حيثُ يقع باب المنزل الخلفيّ و قبل أن يلج إليه أطل برأسه و إذ به يجد امرأة تداعب و تقبل طفلًا صغيرًا .
كان جميلًا للغاية .. بعكسه تمامًا.
"لكن لحظة ... إنها إنها .." اضطربت الكلمات بداخله و ظفرت بالخروج كلمةُ واحدة "ماما"
ضمت الأم طفلها الجميل إلى حضنها و تنفست بحدةٍ و بخوفٍ استدارت.
لحظاتٌ بلا حراك ثم صاحت بغضب :"أيها القبيح ما الذي أتى بكِ إلى هنا ألم تمت؟؟ !!"
و كأن الدهر لم يكفه ما غرسهُ في قلبهِ مِن الالام و أوجاع فها هو يضيف إليهِ جرحًا عميقًا لن يبرى.
أطرق برأسه , تعفر الدمع في عينه .
"أخرج أيها القبيح قبل أن يراك زوجي .. خارجًا يا سرويا"
رفع رأسه و شخصها بعينيه الملأ بالدموع .. لكن هناك شيء ما مختلف إنه غاضب مجروح.
دمعه لا يتوقف عن الأنهمار  , جفناه لا يرمشان و بؤبؤاه ثابتين في عينيّ أمه التي كرهها بقدر ما أحبها و عشقها.
لم تستطع الحراك بإرادتها بعد هذا !
فراحت تنفذ أوامر ولدها بلا وعي أو إدراك .
ابنها الذي راح يصرخ و دمع عيناه ينهمران.
"خذي السكينة و أغرسيها في قلب ابنتك"
لم تملك حرية الرفض ففعلت.
"الآن" قالها بغضب ثم أكمل بهدوءٍ تام :"اقتلي نفسكِ"
ففعلت.
انهارت أمامه بعدما ادخلت السكينة في جوفها لم يمنعها أو يحميها بل راح يضحك..
يضحك بهستريا .
"أهو الجنون ؟" تساءل بذاته.
لكن سرعان ما طفق يضحك و قد علم أنه قد عاد لرشده للتو !

لا كلمة بلا معنى و لا معنى بلا كلمة , الإنسان هو المحتوى و أنت المسؤول بما تحشيه !
يجب أن تعرف متى تضيء شمعة في الظلمات دون أن تسبب حريق , و متى تطفأها لتضيء قلبِ شخص آخر.
سرويا , لم يجد من يطفأ شرارةٍ حقدٍ حولتها عبارة لتصبح نارًا جسدت فيهِ حقدًا حولته مِن فتى ظريف .. إلى مجرمٍ عنيف !

النهاية.

الاثنين، 26 يناير 2015

البارت الثامن و الأخير من رواية الرقم المجهول







تحامل No. Zero على نفسه لكن .. لكنها النهاية – يوم عليك –
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 وجد نفسه على سرير المشفى جلس عليه فزعاً وهو ينادي : صفر , صفـ -
قطع عليه من كان بجانبه فزعه : اهدأ اهدأ
اتسدار و قال : ريتشارد .. سمعت صوته .. كان هناك طلقات
ريتشارد : اهدأ ! لا افهم شيئاً
وضع يده على رأسه متألماً ثم اخذ نفساً عميقاً جداً و سأل : اخبرني ماذا حصل ؟
ريتشارد : لحقت بك بعد خروجك و بقيت مدة ابحث عن مكانك فأنت اختفيت بسرعة و عندما وجدتك رأيتك مستنداً على الجدار و كان مغشياً عليك و بجانبك جثتين تغرقان بدمائهما لعجوز و رجلٌ قوي البنية – اخذ نفساً عميقاً و أكمل بحزن : في البداية اصيبت قدم الرجل ...
قطع عليه ادوارد بصوتٍ مخنوق : كالمرة السابقة ؟
اومأ ريتشارد و أكمل بوتيرته السابقة : و ايضاً وجدنا عند العجوز مسدس تتبعنا اثر الاطلاق و .. – صمت –
ادوارد وهو يهز ريتشارد : تحدث , هل اصابه مكروه .
ادار ريتشارد وجهه للجهة الاخرى ليمنع عينيه من ملاقاة عين ادوارد حين قال : و بعد مترين تقريباً من مكانكما هناك بقعة كبيرة من الدماء .. لكن لا وجود للجثة فقط دماء كثيرة و تتبعنا الخط .. خط من الدماء الطويل لكن فجأة انقطع فجأة
امسك ادوارد برأس ريتشارد و اداره نحوه وقال : الم تجدوه ؟
ريتشارد : لا .
قال ادوارد : هل...
اكمل عنه ريتشارد : بحثنا في كُل المستشفيات .. القريبة و البعيدة و الصغيرة و الكبيرة لكن .. لا أثر
ادوارد : و هل بحثت في ... في ذلك المكان الذي كُنا فيه ؟
ريتشارد : بحثت فيه كُله لا يوجد له اثر و لم نجد سِوى المجرمين و المنحطين و عديمي الاخلاق .. بحثنا عنه في جميع البيوت حتى المهجورة منها لكن .. لا أحد
تجمعت دموع ادوارد في مقلتيه وقال : ابداً ؟
لم يجب ريتشارد لم يعلم ماذا يقول له .. فأي شخص لن يبقى حياً بعد فقده لكمية هائلة من الدم كالتي وجدناها و لا بعد اختراق جسده مجموعة من الرصاص
ادوارد : اجبني ريتشارد ارجوك – لم يمنع دموعه من النزول علة وجنتيه –
ريتشارد : لا أعلم ادوارد لا أعلم , قال من كان بالمنزل المجاور لهم انهم سمعوا صوت تبادل اطلاق الرصاص – اكمل لذاته : و ايضاً شاهدوه و هوا يُصاب ولم يفعلوا شيئاً
بدأ ادوارد يتحدث بأوهام يقنع بها نفساً و كان حديثه عشوائياً  : قد يكون عاد إلى منزله .. الم تجدوا منزله ؟ قال ان هنا منطقته هذا ما قاله لي .. لا بد انه قد عاد الى منزله أنا – مسح ريتشارد دموع ادوارد و قال : اوي .. صديقي ما بك لم ارك ضعيفاً إلى هذا الحد .. ثم ثم – اكمل بجدية : يجب عليك مواجهة الواقع ادوارد – نفى برأسه و أكمل بحزن : لا أحد سيعيش بعدما فقد هذه الكمية الكبيرة من الدماء و الرصاصات اخترقت جسده و لم يذهب للمشفى .
تكلم ادوارد بهستيريه : سيتصل سترى سيتعود تلك الأصفار للظهور مجدداً سيـ - صفعه ريتشارد على وجهه و قال : اهدأ ! ادوارد
دفن ادوارد وجهه بين يديه و سمع ريتشارد تمتمته : كله بسبيي .. انا من المفترض أن يحمي الناس لا الناس يحمونني .. لقد لقد ... ذلك الكابوس و قوله انه يشعر بما اشعر فهل كان يشعر انه سيمـ - لم يستطع قول تلك الكلمة فقد آلمه بشدة مجرد نطق نصفها
طلب ريتشارد الطبيب و اعطى ادوارد مُهدئاً و نام بعدها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 كان ملماً ساقيه و رأسه مدفوناً بينهما و يده قد احاطتهما ..
اقترب منه ريتشارد وجلس على السرير بالقرب من ادوارد و قال له : إلى متى ادوارد ؟ لا تأكل و لا تشرب إلا عندما اصر و اصر و اصر ؟ هذه حالتك أكثر من اسبوعين .. و لم تحضر إلى عملك منذ تلك الحادثة .. لما لا تجيب
ادوارد و ما زال على حاله : حتى يتصل .
ريتشارد : ستموت من الجوع و العطش و حبس نفسك في شقتك افهم ادوارد لقد مات ..
ادوارد : نعم .. مات .. بسببي
رفع ريتشارد رأس ادوارد وقال : ارفع رأسك و حدثني
كان وجه ادوارد منتفخاً وعينيه شديدة الحُمرة
اكمل ريتشارد : اسبوعين و ها نحن دخلنا اليوم الرابع من الاسبوع الثالث و انت لا تزال على حالك .. متى ستعود ؟ كرسيك ينتظرك .
ادوارد : لن أعود .. و الان اتركني سأنام
نهض ريتشارد وقال متضايقاً : احمق غبي ادوارد .. من رحل لن يعود و الماضي لن يعود و لوم نفسك ليس فيه فائدة لك و هروبك من الواقع لن يفيدك في شيء يجب عليك ان تعود .. ادوارد الغبي .. انت في الخامسة و الثلاثين من العمر ! لست طفلاً
قطع عليه ادوارد : الذي لم يقم بواجبه ولم يحمي الناس بل ..
ريتشارد : ستبقى غبياً إلى الابد – سار و خرج من الشقة غاضباً –
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صباح اليوم التالي كان ريتشارد على مكتبه و يؤدي عمله ..
فتح الباب و قفز من مكانه فرحاً عندما رأى ادوارد وقال : صديقي , لقد عدت .
قال ادوارد بصوته المبحوح : لأنني قدمت استقالتي ..
جفل ريتشارد كان يتوقع أي شيء إلا ان يفعل ادوارد هذا
في حين تخطاه ادوارد و بدأ يجمع ادواته من مكتبه .
ريتشارد : اوي ادوارد .. كفاك غباءً و جبناً و كفاك هروباً من الواقع .. ستهلك نفسك ...
حمل ادوارد الصندوق الكرتوني الذي جمع فيه ادواته على عجل و قال : إلى اللقاء ريتشارد .. ام أقول حضرة المفتش – خرج من المكتب –
في حين جلس ريتشارد لم يعرف ماذا يفعل أو ماذا يقول ..
بعد انتهاء وقت العمل قاد ريتشارد سيارته إلى شقة ادوارد
قام بالضغط على الجرس لا مُجيب اصابه الحزن على حالة صديقه
انتظر عدة دقائق قبل ان يفتح له ادوارد الباب فقال : هل كنت نائم ؟
ادوارد ببرود : لا .
اغلق ريتشارد الباب خلفه ثم قال : ماذا تنوي ان تفعل ؟
ادوارد : انتظر الموت
ريتشارد : اششش ... لا تقل هذه الكلمة ادوارد .. انا احبك صديقي لا تؤلمني اكثر لم اعد احتمل – سقطت دموعه .. بألم –
ادوارد : لا تستحق صديقاً مثلي .. تستحق شخصاً افضل من شخصٍ يتسبب في موت الاخرين
ريتشارد : افهم افهم ! ارجوك انه القضاء و القدر .
ادوارد : كنت سبباً في موت No. Zero .. الاسبوع الثالث و لا أثر له في أي مكان
ريتشارد : هل كنت تبحث عنه ؟
اومأ ادوارد بالايجاب
ريتشارد مُعاتباً : ادوراد ! لقد اخبرتك اننا بحثنا
ادوارد : اعلم .. حسناً لا تهتم
جلس ريتشارد على الاريكة و قال : سأتناول طعام الغداء معك .
ادوارد : كما تشاء
تردد ريتشارد لكنه قال اخيراً : لما لا تأحذ اجازة عوضاً عن ..
قال ادوارد باصرار : قدمت استقالتي و انتهى الأمر .
ريتشارد : اذن , ماذا ستفعل ببقية حياتك ؟
ادوارد : لايهم
ريتشارد : غبائك ! ادوارد ارجوك عُد ذلك الصديق الذي يتذمر و يشتكي و يمرح متى ؟
ادوارد : لن يعود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ها نحن نكمل الشهر منذ وقوع الحادثة و انت لا تزال على حالك .. انظر لنفسك جسدك اصبح ضعيفاً و عينيك حمراء و ضعف نظرك ايضاً "
هذا ما قاله ريتشارد لادواد ...
نظر ادوارد إلى ساعته و قال : حان وقت عملك .
ريتشارد : سأذهب و عندما أعود سأضع حداً لحماقتك .
تابعت عيني ادوارد ريتشارد وهو يخرج فقال لذاته : احبك ريتشارد ..
-         و انا ايضاً احبك ادوارد , لكن عندما تعود لذاتك القديمة ..
ادوارد : ها أنا اتخيل من جديد .. يوم آخر و سأصاب الجنون ..
-         هذه المرة ليست خيالات ! هذه المرة اختلفت عن سابقيها
استدار ادوارد ليقطع الشك باليقين و مثل كُل مرة كان الهاتف مُطفئاً ...
 شهق هاتفه برنة صغيرة تعلن عن وصول رسالة له .. كما اعتاد كل صباح انها من ريتشارد .. فتحها و ارتدى ملابسه على مضض ليقابل ريتشارد رُغم عدم رقبته بذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 استقل ريتشارد سيارته و قال لذاته : اتمنى ألا أكون قد تأخرت عليه
كان ادوارد يقف أمام باب العمارة و ركب السيارة ثم قال متذمراً : مزعج ألم اقل لك انني لا اريد الخروج
-         لكنني اريد منك فعل ذلك ..
صمت ريتشارد و ادوارد , ادارا رأسهما للخلف فكانت المُفاجأة ..
قفز ادوارد للخلف وقال بلهفة : ماذا ...
ريتشارد : جهاز حاسوب ! و .. صوته
قال ادوارد راجياً و الدموع تنهمر من عينيه : هل هو انت !
جاءه الصوت من خلال الحاسب : نعم انا No. Zero لكن من انت ؟
ادوارد : انا ادوارد .. ادوارد كارمايكل هل نسيتني !
No. Zero : افضل ان انساك على ان اراك بهذه الحالة المثيرة للشفقة .
ريتشارد : كيف !! هل انت على قيد الحياة فعلاً !
No. Zero : كيف ؟ ليس من اختصاصك و اين كنت طوال شهر ايضاً ليس من اختصاصكما ولا تحشرا انفسيكما فيما لا يعنيكما .
ادوارد براحة : هو بخير .. انا لا احلم مثل كُل مرة صحيح ؟
قرص ادوارد وجنتيه بلطف وقال : لا – ابتسم و قال : حمد لله على سلامتك No. Zero  لكن من انت !
No. Zero : ما بال صديقك الاحمق هكذا !
ريتشارد : انت السبب
No. Zero ببرود : كُنت اعلم بكل شيء لكن ماذا عسايّ ان افعل ؟ لا شيء – غير مجرى الحديث و قال : ادوارد .. عندما تعود الى ذاتك القديمة ستجدني حينهما و امامك اسبوع فقط لتستعيد عافيتك أو انني سأسمح لهم بفعل بيّ ما يرودون – انطفأت الشاشة –
ادوارد : ماذا يقصد ؟
ريتشارد : لا اعلم .. لا بد ان الكثير قد حدث .
ادوارد : المهم – مسح دموعه و قال : هو بخير ..
قاطعه ريتشارد : مُخطأ , بل هناك حلقة ناقصة سنعلم ماهيّ عندما تصبح بخير ..
ادوارد : ساعوض كل شيء ..
بعد مرور أسبوع يحمل القلق و الكثير من الاسئلة كان ادوارد و ريتشارد ينتظران رنين الهاتف ..
ادوارد : هو بخير صحيح ريتشارد ؟
ريتشارد : سألت هذا السؤال خمس مئة مرة – تنهد و قال : وما ادراني انا !
سُمعت اصوات النغمات فأجاب ادوارد من فوره عندما رأى تلك الاصفار ألا متناهية ..
اجابه No. Zero : احسنت عملاً ادوارد , لقد عدت لسابق عهدك.
ريتشارد : هل انت بخير ؟
No. Zero : لم و لن اصبح غير ذلك .
ادوارد : لم افهم
ريتشارد بملل : غبي , يعني انه بخير – نظر إلى ساعته وقال : سأذهب إلى عملي
No. Zero : جريمة اختطاف غبية بانتظارك لن تحتاج إلى مساعدة – اكمل مع ابتسامة : حضرة المفتش
ريتشارد : ليتني أعلم من انت – اخذ نفساً عميقاً و سار مبتعداً حتى خرج من الشقة –
ادوارد : قلت في ذلك اليوم انها منطقتك لكنك كُنت ...
قاطعه No. Zero : لا أكذب كُنت و ما زلت هناك لكنك مهما حاولت و حاولت لن تجدني – اكمل ببطء : ابداً .. لذا لا تحاول بلا فائدة ايها .. العاطل
ادوارد : هل تسخر
No. Zero بجديه : بل اقول الحقيقة , قلت لك ذلك اليوم لا تذهب اليهما لكنك غبـ - صمت و اعدل عن رأيه قائلاً : بل رجلٌ نبيل أحمق .
ادوارد : قام ريتشارد بالقبض على جميع المجرمين و الفارين هناك .
No. Zero : اعلم .. و الان وداعاً لا حاجة لك بيّ فانت اتسقلت عن عملك و انا لا احب ان اضيع وقتي بالثرثرة التي بلا معنى و ابقى عاجزاً و ستشحذ الاموال من الناس يوماً الم تجد لك عملاً اخر .. لكن لا تعتقد انك ستجدني بأي عمل ..
ادوارد باصرار : و ما هو العمل الذي ستكون فيه معي ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 ريتشارد : ياه جميلة – قرأ اللوحة و قائلاً : وكالة ادوارد كار مايكل للتحريات بمساعدة No. Zero .
ادوارد : هكذا لن ابقى عاطلاً عن العمل
ريتشارد : المفتش السابق يصبح محققاً خاصاً .. لكنك في الموقع الخاطئ
ادوارد : لما ؟
ريتشارد : لأنك غبي بالطبع .
ظهر صوت No. Zero فجأة قائلاً : لذا انا مع هذا الغبي دائماً


 النهاية




رواية الرقم المجهول بقلمي : حوراء العريفي