الأربعاء، 20 يوليو 2016

" شعب فيلغيت "





" شعب فيلغيت "

حكايةٌ أسردها بأسلوبي الأدبي البسيط ، فيها مِن الغرابة الكثير عليكم لأنها في عالمٍ و أبعاد أخرى.

قد تحسد من يمتلك القدرة على الطيران ، التخفي أو التنقل مِن مكانٍ لآخر و غيرها من القدرات المسماة لديكم " خوارق ".
و أنا أيضًا كنت أحسدهم حيثُ كنت مثلهم شكلًا لكن فارغًا من طاقة القدرة.
ولدتُ دونها ، كان حدثًا هزّ المملكة و جعلها تمور.
علماء القدرة - و هم من تخصصوا في دراسة طاقتنا التي تجعلنا نمتلك هذه القدرات - وجدوني خاوٍ مِن أي طاقة.
و لأني لا استطيع الافصاح عن اسمي سأقول أني ( أ )
قالوا لي : ( أ ) أنت ولدت دون طاقة ، طاقتك ضائعة .
توسلت و رجوت لأن يعرفوا السبب و يجدوا حلًا.
بشفقةٍ تطوع أحدهم لتولي حالتي سأطلق عليه ( ب ).
( ب ) : يجب أن أقوم بفحص والديك فقد علمنا أن والدك فقد جزءًا من طاقته عندما تزوج.
سعدت بهِ ، تشبثت بهِ تشبث الجذور بالتربة .. كان أمل حياتي و شمعتها التي ستنيرها  و من يبدد ليلي الديجور الدائم.
لكن .. أتت ريحٌ اطفأت نار الشمعة حين رفض أبي و أمي الخضوع للفحص حيثُ تحججا بأن فيه استنزاف كبير للطاقة.
بذل ( ب ) جهدًا للإطاحة بأبي لكنه بفضل قدراته استطاع النجاة دومًا و انقاذ أمي معه.
طلبنا العون من الملكة لكن قُوبلنا بالرفض لأن لا قانون يجبرهما على الخضوع للفحص.
دب اليأس في قلبينا ، لا معين يعين و لا راعٍ يرعى.
قلتُ يومًا لـ ( ب ) : لم أرَ أمي قبلًا تُظهر قدرات فائقة بل فقط بعض القدرات البسيطة كالطيران لمسافاتٍ قصيرة أو تنتقل من بيتنا للدكان.
تقارب حاجباه : ( أ ) هل أنت متأكد مِن هذا ؟
أجبته : نعم ، و ربما لأن أبي فقد بعضًا من طاقته اصبحت خاوٍ من الطاقة.
نهض و حملني : سنذهب إلى منزلك ( أ ).

ثانيةٌ أو اثنتان و نحن وسط منزلنا ، تأملت وجه ( ب ) و إذ بالدماء متجمعة في خديه ...
سألته : ( ب ) لم أنت منفعل هكذا ؟
لم يجبني أو ينبس ببنت شفةٍ حتى استوى والديّ واقفين أمامه.
( ب ) : يا والدة ( أ ) هل يمكنكِ أن تنتقلي بـابنك إلى منزلي ؟
استنجدت بالنظرات لأبي الذي حينما همّ بالحديث كان ( ب ) خلفه ويداه حول فمه.
قال العالم محذرًا أبي : إن تحدثت بكلمةٍ سأفضحك .
أبعد يداه موجهًا الحديث لوالديّ : قلت أن زوجتك يتيمة و تعيش في ذلك المنزل الذي لا يسكنه أحد و لصقت نسبها بزوجين ماتا قديمًا
فقدت جزءًا من طاقتك بعد الزواج ، زوجتك طاقتها ضعيفة و ابنك بلا طاقة.
كُل هذا يجعلني استنتج امرًا واحدًا ،
جفلتُ ، أحسست بأن ( ب ) يهم بقول امرٍ خطير قد يمسنا جميعًا بالسوء و يضع أبي و أمي على المحك
حثه والدي أن يكمل حديثه ، كان يسخر ظاهرًا لكن اضطراب صوته يخبرك كم هو خائف :" نعم ماذا استنتجت يا ( كيندي ) هذا الزمان ؟.

كيندي مجرد اسطورة في عالمنا ، ربما كان حقيقًا يومًا
يُقال أن له القدرة على تمييز المجرم وحل الالغاز جميعها بعد بضع دقائق من دخوله لمسرح الجريمة أو قراءته اللغز.
اجابه ( ب ) : إن زوجتك ليست فيلغيتية.

" شعب فيلغيت " و الفرد " فيلغي " هذا مسمانا في عالمنا.

حينما لم يجب أبي أكمل ( ب ) : و استخدمت جزءًا من طاقتك لتجعل شكلها الخارجي فيلغيتية و لتمتلك القدرات لكن قدراتها محدودة لأنها تمتلك جزءًا من طاقة الفيلغيت لا طاقة كاملة و كون كلاكما ناقصا الطاقة ظهر ( أ ) معدوم الطاقة.
بُهت والدي و خرا على الأرض يرجوان ( ب ) بأن يكتم سرهما.
بكثيرٍ من الرجاء و التوسل وافق ( ب ) و اشترط أن يعلم بالأمر كاملًا ليكتمه كاملًا.
قصّ أبي حكايته و الذي لهذا السبب وجهت لكم حكايتي هذه.
أمي فعلًا ليست فيلغيتية كما قال ( ب ) بل أتت لعالمنا عن طريق الصدفة و عندما رأت أشكالنا وقد بدت غريبة عليها اعتكفت بيتًا في أقصى مملكتنا و كانت تقطف الطعام من بساتيننا.
في يومٍ ما ، كان لدى أبي مهمة بالقرب من سكن أمي
كان ابي جاسوسًا ماهرًا , عمله متواصل و يعتمد عليه الامبراطور في كثيرٍ مِن المهام التي تضع المملكة على المحك ، لأبي الفضل في كون هذه المملكة باقية حتى الان.
في تلك المهمة نفد الطعام و الشراب من أبي و من الخطر البحث عن طعام لأن خطر هذا الامر سيقتله و يهدم أركان المملكة.
اشتد به الجوع و العطش حتى سقط مغشيًا عليه.
شعر الحراس بهذه الحركة لكن عندما وصلوا لم يجدوا أحدًا فأمي سبقتهم.
اهتمت به و مدته بالطعام و الشراب و اخبرته أنها أتت مِن ابعادٍ أخرى ، بعد البشر.
و كونها بشرًا ظنت أنهم لم يشعروا بوجودها أو بطاقتها لاختلافها عنهم .
أكمل مهمته مستعينًا بأمي وصعب عليه فراقها فقرر الزواج بها.
واجهته مشكلة الشكل و القدرات فمدها بطاقته ، مثل هذه العمليات تؤدي الى موت الاثنين لكن أبي كان ماهرًا و جسد أمي انصاع للطاقة فبدل شكلها و منحها القليل من القدرة.
ما يزال أبي قويًا لكن ليس كالسابق ، كانت قدرته تعدل عن عشرة رجال من الفيلغيت أما الآن فتمثل اثنان أو حتى واحد فقط.
كنت فخورًا بأبي فذهبت و عانقته قائلًا :" من أجل من انقذت حياتك فعلت هذا ، أنا فخورٌ بك كثيرًا ".
قال ( ب ) : لكن لن أسمح لك بأن تفعل ما تفكر فيه.
هنا علمت أن لـ ( ب ) القدرة على قراءة الأفكار
تحدثت أمي و القلق اتشح صوتها :" ماذا تنوي أن تفعل ؟".
حثثته : قل أبي .
جلس أبي على الأريكة و أطاع : سمعت في البلاط الملكي أنهم يودون التخلص من ابني لأنه خطرٌ على شعب فيلغيت .
رددتُ بعجب : أنا خطر ؟.
فأجاب ( ب ) : ستكبر ، تحب تتزوج و تنجب ابناء من الممكن أن يكونوا مثلك و هؤلاء يحبون و ينجبون ابناءً بلا طاقة و هكذا دواليك فيكثر امثالك في المملكة .
ساد صمت ثقيل على المكان ، استمر دقائق حتى قطعه ( ب ) : هكذا هم يفكرون.
سألته : و أبي ؟.
أجابني : التخلص من حياته لأجلك.
تصلبت ملامح وجهي ، عجز لساني عن النطق
لن اسمح بهذا أبدًا ، جالت الكثير من الخواطر صدري و عبثت بمشاعري و جعلتها تمور.
صرحت برفضي لهذا : لا أقبل بهذا أبدًا .
رفع ( ب ) يده مانعًا أبي من قول أي شيء و طلب من الجميع الانصات إليه.
( ب ) : المملكة بحاجتك يا والد ( أ ) و زوجتك لن تعرف ماذا تفعل إذ أنت مت من سيكون سندًا لها ؟ و إذا اكتشفوا امرها ستقتل لا شك .
لا امر جيد في فكرتك ، أما أنا فموتي و حياتي واحد لا زوجة و لا صاحب شأن او ذا اهمية في المجتمع
لن اقتل نفسي لكن سآخذ ( أ ) إلى عالمه و اذهب معه .
قال عالمه لأن شعب الفيلغيت ينسب الولد لأمه.
لا جواب منهما و توتر الجو بسبب هذا الصمت فكسرته قائلًا : أنا موافق ، أبي أمي أنا أحبكما و لا أريد موتكما و ( ب ) بمثابة اب اخر لي يحبني و أعلم أنه سيحميني بكل قوته و قدرته هكذا سنحيى  جميعًا.
وجدت ملاذي في حضن أمي ، و يد أبي تداعبني
قضيت معهم الليل بطوله لم أنم ، كنت أودع أمي و أبي بحبٍ ، بلطف و بحزنٍ كتمته حتى لا أزيد حزنهما حزنًا

حلّ الصباح .. حلّ الوداع
علم أبي بطريقته أن هناك امر بأخذي من المنزل منذ بزوغ الشمس.
أبي : في المكان الذي حولت فيه والدتك هناك طاقة فائضة لا تغادر المكان و الامر الذي تودون فعله يحتاج إلى كمية هائلة من الطاقة و تلك ستساعدكم لنجاح ما تودون فعله.
هز ( ب ) رأسه المربع : فهمت ، اخبرني به تمامًا و أرجو منكم المساعدة في النقل و امدادي بالطاقة لأن المكان بعيد كما وصفت قبل قليل و لا وقت لدينا.
تعلقت برقبة ( ب ) و صنع هو و والدي حلقة من ايدي متشابكة.
اشعر بقوة لم اشعر بها قبلًا ، طاقة قادرة على تدمير منطقتنا كلها
لم يدم هذا الشعور طويلًا حيث وجدت نفسي في منزلٍ شعرتُ حينما لامست قدمي أرضه بالحنية.
نبهني ( ب ) : ( أ ) انظر . و أشار إلى رقبتي.
اخفضت رأسي و إذ به سلسال أمي الذي يحمل قاعدة تفتح فتكشف عن صورنا.
كم كان مؤلمًا حبس دموعي ، شعرت بعيناي تحترقان بماء الدمع الذي جاهدت نفسي ليبقى داخلها.
أخبر ( ب ) : هنا طاقة كبيرة ، تكفي لنتحول إلى بشر و ننتقل لعالمك إذ وحدت طاقتي معها بشكل متقن.
أخبرته أني أثق به و بمهاراته و قدراته ، هذا الحديث حفزه حيث ابتسم و رأيت القوة تحيط به من كل حدبٍ و صوب.
قعدت في منتصف المنزل ، جعلني بدائرة رسمها تكفيه معي.
جاب المنزل ، كان يتوقف عند نقاط معينة و استنتجت أنه يجمع الطاقة و يحصرها في هذه الدائرة.
أشعر بشيء غريب ، اشخص بصري.
قلت : أطرافي.
فاشار لي ( ب ) بالصمت .
أطرافي بدأت تتغير ، تساءلت أهكذا هم البشر ؟
اقترب ( ب ) بصمته و حال دخوله للدائرة بدأ هو بالتحول أيضًا.
امسكنا بأيدي بعضنا ، الأيدي البشرية.
أمي تحدثت عن اسماء دول غريبة و حددت احداها ، دولة ,منطقة , بيت
و اخبرتنا عن منزلها حيث يمكننا أن نسكن
الكثير من الامور تذكرتها ، لا كلمة تصف شعوري.
كنت فيلغيتيًا و الآن بشريًا ، شكلي لوني حديثي مسكني عاداتي قدراتي.. الخ
كانت رحلة دامت ساعة وقت طويل بالنسبة لمن اعتاد الذهاب الى ابعد مكان خلال دقيقة !

بيت أمي ، كان كبيرًا و غريبًا بالنسبة لي .
الاثاث و الحجم و الادوات و أكثر معاناتي كانت بالطعام.
مررتُ بأيامٍ عصيبة مرت دون مرارة بفضل ( ب ) و قلادة أمي
أفتح القلادة ، أمي هنا استطيع محادثتها .. هي أعظم قوة و طاقة مكنتني من فعل هذا
( ب ) : طاقة الحب و التضحية.

أنا الآن بينكم ، ربما أكون صديقك ، جارك ، مديرك ، استاذك أو مررت بجانبك .. أمعن النظر قد أكون قريبًا منك دون أن تشعر.

الخميس، 14 يوليو 2016

مسرحية الامراء تشارلز القصير




الامراء تشارلز

رُفع الستار و حان وقت العرض .
ضوءٌ طوق دائرةً صغيرة بوسط المسرح الذي وقف عليهِ بشموخٍ شابٌ بملابس نبيلة و تاجٌ لا يتعداه فخامة إلا تاج ملك و حذاءٌ جلدي طويل أقام علاقة طقطقة مع خشبة المسرح.
يدي الشاب خلف ظهره و رأسه لأسفل و الضوء يلاحقه في رحلة ذهابه و إيابه القلقة على المسرح ، توقف فجأة و خر على الخشبة صارخًا :" لم أعد أتحمل المزيد " وقبض على رأسه بيديه بقوة.
-" لكن بقيّ الكثير " أتى الصوت مِن يمين المسرح و أردف مقتربًا في الظلام :" مِئةٌ أخرى ".
توسع نطاق الدائرة حتى شمل المسرح كله فكشفت عن المتحدث يرتدي مريلة طبخٍ و خلفه سلة كبيرة من البطاطا.
تنهد الأمير :" أنا الأمير تشارلز الأول أُعاقب بتقشير البطاطا أي حياة ملكية التي يحسدها عليها عامة الشعب و _آه " صمت و أستدار ليسار المسرح حيث ولج شابان لا يبتعدان عنه في الملامح أبدًا و أحدهما قد رمى حجرًا على رأس تشارلز الأول.
فقال بغضب :" أوي أنتما أيها الأحمقان أنا أخوكما الأكبر كيف تفعلان بي هذا !"
جلس أحدهما و قال ببرود :" أكبر منا بثانية و أكبر من أخي تشارلز الثالث بخمس ثواني ثم أن تقشير البطاطا يهون عند مقارنته بجمع المزروعات مِن حديقة القصر ".
ابتسم تشارلز الثالث كما قيل له و تحدث بصوتٍ أنثوي :" كان هناك الكثير مِن الحشراتووووو " لم يُكمل حيث حشر تشارلز الأول في فمه قطعة بطاطس قد قشرها توًا وصاح :" حينما تكون رجلًا تحدث أما هذا الصوت فهو مقزز ".
تخلص مِن قطعة البطاطس التي حُشرت في فمه ثم وضع يديه على خديه و شهق :" هذا سيء تشارلز ".
رفع تشارلز الأول حاجبيه و صاح في توأمه الثاني :" ألن توقف هذا الأحمق ؟"
فلم يجبه الثاني بل أشار إلى تشارلز الثالث الذي سار لنهاية المسرح و بدأ يعبث بالأدراج.
تنهد تشارلز الأول و قال لأخيه :" أتظن أن خلايا الذكورةِ لم تخرج معه من بطن أمي و عندما ولدت أختنا آيروس خرجت معها و أصبحت فيها ؟".
وضع تشارلز الثاني السكينة في يد توأمه الأول وقال :" قشر البطاطس أيها الأمير _ أوه هناك من أتى إليك " وكتم ضحكته و سخريته على أخيه حينما أمسك الثالث به و أجلسه موبخًا :" أنت أمير كيف تجعل زر ثوبك الفاخر يتدلى هكذا _ لن تذهب لأي مكان قبل أن أصلحه ".
ألقى برأسه للخلف :" سأقتلك يومًا تصرفاتك أسوأ من تقشير البطاطا ".
في حين أخاط تشارلز الثالث الزر سعيدًا و حينما هم بالحديث قال الطاهي :" الأميرة آيروس تتفضل ".
رمى تشارلز الأول السكينة و البطاطس أرض الخشبة و تمتم بحديثٍ لا مفهوم و أشاح بنظره ناحية أخته الأميرة ذات الشعر الطويل المنسدل التي ولجت مِن وسط المسرح عبر بابِ المطبخ.
تحدث تشارلز الثالث بضيق :" متى آخر مرةٍ سرحتي شعرك فيها ؟"
فضحك الثاني و قال مصححًا :" خطأ , بل متى أصبحتِ أنثى ؟ ".
تنهد الأول :" لا أحد سيتزوجك على هذا الحال ".
فتعالت ضحكاتها قائلة :" سأقول لوالدي أنكم ازعجتموني حتى يجعلكم تنامون في الأسطبلات كالبقر ".
ضحك تشارلز الثاني :" خطأ ، إن الخيول هي من تعيش في الاسطبلات ".
همس الأول :" انظر الدخان يخرج من أذنيها ".
صكت أسنانها و قبضت يداها و صاحت :" أكرهكم ".
صفق تشارلز الأول ضاربًا قدميه بالخشبة :" اووه معلومة جديدة " توقف مردفًا بملل :" لو كنتِ غير ذلك ما كنا لنقشر البطاطا و نجمع الخضراوات مِن حديقة القصر ".
تجمعت الدموع بمقلتيها و جعلت كفيها حاجزًا يحول دون رؤية وجهها و استدارت راكضة مما أصدر طقطقة مزعجة على الخشب.
تأوه تشارلز الثالث و قال بحزن :" اوه هذا مؤلم مسكينة آيروس ".
نهض الأول وقد بان الضيق على وجهه :" هي من تجلب هذا لنفسها ، استعدوا الآن لعقابٍ من أبيكم ".
-
المشهد الثاني - الفصل الأول

سُدل الستار و بعد ثوانٍ آخر رُفع كاشفًا عن غرفة ملكيةٍ فخمة ، منِ عند العرش الملكي في بداية المسرح اصطفت الحاشيةُ الحارسه و خلفهُ حاملي ريشٍ يرفعونها و ينزلونها بهدوء بغية جلب الهواء للملك.
في الوسط امتدت طاولةٌ حوت ما تشتهيه الأعين و تطيب بهِ الأنفس مِن طعام و يحلو للألسن مذاق الشراب ، و في كل المكان صدحت ضحكة الملك بسبب قول الوزير :" إنهم يطالبون بتخفيض الضرائب ".
فأستسقى المك من كأسه :" مستحيل , خفضناها مع قيمة الشعير و الخبز مزحة سخيفة منك ".
إحمر وجه الوزير :" لكني لا أمزح سيدي ".
فتسعت عينا الملك و بلحظةٍ غيظ رمى الكأس :" عليك و عليهم اللعنة !"
أطرق رأسه :" آسف جلالة الملك ".
من الجهة المقابلة لعرش الملك دخلت الأميرة آيروس باكية.
فأمر الملك الوزير بأن ينصرف بإشارة مِن يده و فتح ذراعيه لأبنته فقال ماسحًا على رأسها :" ما بكِ آيروس حبيبتي ؟"
و أشار لأحد حاشيته فما كان به إلا اظهار الطاعة و الولاء للملك ثم غادر الخشبة بعد انحناءة
-" تحدثي " قال الملك لابنته
فاض الدمع و قالت :" لو كانت أمي على قيد الحياة لم سخر أخوتي من شعري المبعثر و لكانت اعتنت هي بشعري لا وصيفة و لا مربية ".
قبل رأس ابنته :" أنتِ كبيرة الآن كفي عن التصرف كطفلة ".
من بداية الخشبة صاح الحاشي :" الأمراء تشارلز يدخلون ".
اصطفوا أمام الملك فقال الأول :" ما الأمر أبي ؟"
فأجاب الملك :" ألا تكفون عن إزعاج أختكم ؟"
قال تشارلز الثاني :" خطأ ، هي من تزعجنا و لا تحبنا ".
تنهد الملك :" مشاكل الشعب أم مشاكلكم ؟" حدث ابنته :" ألا تسامحينهم هذه المرة ؟ أنا متعب عزيزتي ".
فسألته :" ما بك ؟"
تبعه التوائم تشارلز :" أبي هل أنت بخير ؟"
مسح على رأس ابنته :" بخير بخير ، تشارلز تعال و عاوني ".
فتقدم تشارلز الأول و ساعد والده للنهوض من العرش :" هل تشعر بالصداع أبي ؟"
-" نعم أحتاج لبعض الراحة فقط ".
عمّ الصمت و لم ينبس أحدهم ببنت شفه حتى عودة تشارلز الأول مجددًا الذي قال فور دخوله :" هيا لنغادر قبل أن تُلصق فينا تهمًا أخرى ".
فاستدار الثالثة و ساروا لنهاية المسرح متجاهلين نداء أختهم المتكرر لهم.
فأرتخت على الكرسي و فاضت دموعها مجددًا و تزامت بحديثٍ تكرر فحواه ( لست السبب في موت أمي ، لست السبب ).
بقيت تنحب دقائق كثيرة حتى ولج تشارلز الأول مجددًا لقاعة المك و جلس بجانب الأميرة و قال :" كفي عن البكاء ، الأميرات لا يبكون _ يقول تشارلز الثالث الغبي أن البكاء يفسد جمال الوجه ".
كفكفت دمعها و قالت :" ابتعد لا أحب أن يجلس بجانبي من يكرهني ".
زفر ثم استلقى على عرش والده و قال :" من قال أننا نكرهك ؟".
جلست القرفصاء و قالت :" متى أظهرتم لي حبكم ؟"
-" لم تسمحي لنا بذلك ".
-" أممم تشارلز سمعتكم ذلك اليوم تتحدثون مع وزير أبي".
طال صمتها فقال و هو يعبث بزينة العرش :" ثم ؟".
-" قلتم أنني كُنت السبب في موت أمي حيثُ ماتت وهي تلدني ".
لم يجب تشارلز و كان مغمض العينين فهزته آيروس :" هوي هل نمت ؟"
أتى صوت ضاحكٌ و قال :" خطأ ، هو من قال ذلك ". ثم سار تشارلز الثاني إليهما بخطواته الهادئة.
فتح تشارلز الأول عيناه :" آيروس ذات الدموع ، قبل أن نخرج ما هو الأمر الذي اردتي اخبارنا به أثناء خروجنا ؟".
رمشت بعيناها :" اه ".
-" أجيبي ".
أطاعت آيروس و قالت :" سمعت جورج الوزير يُحدث الحاشية و من يمر بالقصر عن امور الدولة المالية و أنها قادرة على جعل شعبها يعيش في رفاهٍ دون دفع ضرائب حتى لكن الملك _" لم تكمل حيث أصمتها تشارلز :" يكفي ، حتى صوتك مزعج _ آه أنا أميرٌ نبيلٌ لا أُضربُ ".
استوى جالسًا و قال لتشارلز الثاني الذي دخل للقاعة توًا :" أين تشارلز ؟ نحن بحاجة لمهاراته الأنثوية ".
-
الفصل الثاني - المشهد الأول.

موسيقى هادئة ملأت المسرح كانت تجلس الأميرة آيروس على كرسي و خلفها الوصيفة تصفف شعرها.
قالت آيروس :" سيأتي الوزير لمقابلتي بعد دقائق فأنهي تصفيف شعري بسرعة ".
-" بقي القليل سيدتي ".
-" لا تغادري المكان بعد أن تنتهي فقد أحتاجكِ في أمرٍ ما ".
-" حاضر سيدتي . انتهيت أيتها الأميرة ".
سارت الوصيفة حيث اُسندت مرآة كبيرة حملتها لترى الأميرة نفسها.
أظهرت الأميرة الرضا و أشارت لها بإعادة المرآة لمكانها.
ولجت خادمة و أعلنت :" الوزير جورج يأخذ الأذن بالدخول " و بإشارةٍ مِن آيروس أومأت الخادمة و سمحت للوزير بالدخول و خرجت هي.
تقدم جورج إلى وسط المسرح و انحنى لآيروس :" احترامي لكِ ".
فقالت له :" أجلس ".
جلس مقابلًا لها و استفسر :" في أي موضوع اردتني ؟".
اطرقت رأسها خجلًا و توردت وجنتاها :" جورج _ أنا ... أنا أنا أحبك " و أشاحت بوجهها جانبًا.
اتسعت ابتسامة الوزير حتى ما عاد سنٍ في فمه إلا و بان :" عزيزتي .. كنت أبادلك الشعور طيلة حياتي في القصر لكن ضعيف مثلي لا يطال جلالتكم ".
ابتسمت :" حينها ستكون الملك و أنا الملكة _ لكن لا بد لنا مِن مواجهة أبي فقد بغى على شعبه فسادًا ".
-" ماذا تعنين ؟".
قالت بحزن :" أنت و زيره و أعلم بأفعال أبي ، رأيته اليوم يرمي بكأسه عليك و كيف يأخذ الضرائب مِن الشعب ".
أمسك بيديها و قال :" عزيزتي آيروس ، أنتِ محقة سنسعى معًا لتحقيق دولة شعارها العدل و الإنصاف و هدفها ترفيه شعبها بما تملك مِن أموال ، سأكون معكِ إلى آخــ _ " و ابتلع لسانه إذ رأى الستارة نُزعت من محلها بفعل الملك الذي ثار غضبًا فقال :" وزير حقير و أنا الذي أمنتك كل شيء ".
ابتسمت آيروس و قالت :" غبي ، هل رأيت نفسك تستحق حبي ؟".
ضرب الوزير الأرض بقدميه و قال بغضب :" حقيرة ". و هم بمهاجمة آيروس لولا ردع الوصيفة له :" آوه إنها أختي " و طرحه أرضًا.
قالت آيروس مشدوهة :" أنت تشارلز الثالث فعلًا ؟"
غمز بعينه :" هو بذاته " و أكمل بوتيرةٍ أنثوية :" الحمدلله أنتِ بخير ".
-
الفصل الثاني - المشهد الثاني

ألتم الجميع في غرفة الملك و أشاد الملك :" تشارلز الأول بذكائك تستحق أن تكون مستشاري الأول ".
انحنى تشارلز :" شكرًا والدي ، حديثك لي عندما خرجنا أحالني للتفكير في ما يحصل بيننا و بين أختنا " و ابتسم لآيروس :" رغم أنها حمقاء ".
قال الثاني :" خطأ ، بل غبية و إلا من أين جعلت ما سمعته سببًا لعداوتنا ".
ضحك تشارلز الأول بقوة فقالت آيروس راجية :" أبي ".
ضمها بقوة :" اعتادي على ازعاج أخوتك لكن لديك أخت لطيفه " و ضحك حيث كان يعني الامير تشارلز الثالث.
تنهد تشارلز :" لا تزعجوني ، أنا أحب نفسي كما أنا ".
قال تشارلز الأول :" بأيدينا نهدم علاقات أو نبنيها ، الأمر عائد لحسن ظننا ببعض و محبتنا و حسن استماعنا و انصاتنا لبعض.
كوننا نحب بعضنا أي نفهم بعضنا و نسامح بعضنا و نتقبل بعضنا البعض رغم اختلاف شخوصنا و طباعنا .
فنحن نبلاء لكننا بشر نخطئ و نسيء لبعضنا لكن يجب ان نُسامِح حتى نُسَامَح و نغفر حتى يغفر لنا و نُحِِب حتى نُحَب و نتقبل غيرنا حتى يتقبلنا الآخرون ".
-
نهاية المشهد
-
خلع روك القناع و قال :" عمل جيد يونا ، آوه أعني آيروس ذات الدموع " و أنفجر ضاحكًا.
ضربته يونا على رأسه :" تأدب مع الأميرة !"
-" كُنتِ أميرة أما الآن فأنتِ يونا الحمقاء .. ثم اتسمين ذلك تمثيلًا ؟ ابتلعتِ نصف المشهد و قلتِ مباشرة أحبك ! ".
تنهدت :" مزعج للأبد و في كل مكانٍ أيضًا ".