الامراء تشارلز
رُفع الستار و حان وقت العرض .
ضوءٌ طوق دائرةً صغيرة بوسط المسرح الذي وقف عليهِ بشموخٍ شابٌ بملابس
نبيلة و تاجٌ لا يتعداه فخامة إلا تاج ملك و حذاءٌ جلدي طويل أقام علاقة طقطقة مع
خشبة المسرح.
يدي الشاب خلف ظهره و رأسه لأسفل و الضوء يلاحقه في رحلة ذهابه و إيابه
القلقة على المسرح ، توقف فجأة و خر على الخشبة صارخًا :" لم أعد أتحمل
المزيد " وقبض على رأسه بيديه بقوة.
-" لكن بقيّ الكثير " أتى الصوت مِن يمين المسرح و أردف
مقتربًا في الظلام :" مِئةٌ أخرى ".
توسع نطاق الدائرة حتى شمل المسرح كله فكشفت عن المتحدث يرتدي مريلة
طبخٍ و خلفه سلة كبيرة من البطاطا.
تنهد الأمير :" أنا الأمير تشارلز الأول أُعاقب بتقشير البطاطا
أي حياة ملكية التي يحسدها عليها عامة الشعب و _آه " صمت و أستدار ليسار
المسرح حيث ولج شابان لا يبتعدان عنه في الملامح أبدًا و أحدهما قد رمى حجرًا على
رأس تشارلز الأول.
فقال بغضب :" أوي أنتما أيها الأحمقان أنا أخوكما الأكبر كيف
تفعلان بي هذا !"
جلس أحدهما و قال ببرود :" أكبر منا بثانية و أكبر من أخي تشارلز
الثالث بخمس ثواني ثم أن تقشير البطاطا يهون عند مقارنته بجمع المزروعات مِن حديقة
القصر ".
ابتسم تشارلز الثالث كما قيل له و تحدث بصوتٍ أنثوي :" كان هناك
الكثير مِن الحشراتووووو " لم يُكمل حيث حشر تشارلز الأول في فمه قطعة بطاطس
قد قشرها توًا وصاح :" حينما تكون رجلًا تحدث أما هذا الصوت فهو مقزز ".
تخلص مِن قطعة البطاطس التي حُشرت في فمه ثم وضع يديه على خديه و شهق
:" هذا سيء تشارلز ".
رفع تشارلز الأول حاجبيه و صاح في توأمه الثاني :" ألن توقف هذا
الأحمق ؟"
فلم يجبه الثاني بل أشار إلى تشارلز الثالث الذي سار لنهاية المسرح و
بدأ يعبث بالأدراج.
تنهد تشارلز الأول و قال لأخيه :" أتظن أن خلايا الذكورةِ لم
تخرج معه من بطن أمي و عندما ولدت أختنا آيروس خرجت معها و أصبحت فيها ؟".
وضع تشارلز الثاني السكينة في يد توأمه الأول وقال :" قشر
البطاطس أيها الأمير _ أوه هناك من أتى إليك " وكتم ضحكته و سخريته على أخيه
حينما أمسك الثالث به و أجلسه موبخًا :" أنت أمير كيف تجعل زر ثوبك الفاخر
يتدلى هكذا _ لن تذهب لأي مكان قبل أن أصلحه ".
ألقى برأسه للخلف :" سأقتلك يومًا تصرفاتك أسوأ من تقشير البطاطا
".
في حين أخاط تشارلز الثالث الزر سعيدًا و حينما هم بالحديث قال الطاهي
:" الأميرة آيروس تتفضل ".
رمى تشارلز الأول السكينة و البطاطس أرض الخشبة و تمتم بحديثٍ لا
مفهوم و أشاح بنظره ناحية أخته الأميرة ذات الشعر الطويل المنسدل التي ولجت مِن
وسط المسرح عبر بابِ المطبخ.
تحدث تشارلز الثالث بضيق :" متى آخر مرةٍ سرحتي شعرك فيها
؟"
فضحك الثاني و قال مصححًا :" خطأ , بل متى أصبحتِ أنثى ؟ ".
تنهد الأول :" لا أحد سيتزوجك على هذا الحال ".
فتعالت ضحكاتها قائلة :" سأقول لوالدي أنكم ازعجتموني حتى يجعلكم
تنامون في الأسطبلات كالبقر ".
ضحك تشارلز الثاني :" خطأ ، إن الخيول هي من تعيش في الاسطبلات
".
همس الأول :" انظر الدخان يخرج من أذنيها ".
صكت أسنانها و قبضت يداها و صاحت :" أكرهكم ".
صفق تشارلز الأول ضاربًا قدميه بالخشبة :" اووه معلومة جديدة
" توقف مردفًا بملل :" لو كنتِ غير ذلك ما كنا لنقشر البطاطا و نجمع
الخضراوات مِن حديقة القصر ".
تجمعت الدموع بمقلتيها و جعلت كفيها حاجزًا يحول دون رؤية وجهها و
استدارت راكضة مما أصدر طقطقة مزعجة على الخشب.
تأوه تشارلز الثالث و قال بحزن :" اوه هذا مؤلم مسكينة آيروس
".
نهض الأول وقد بان الضيق على وجهه :" هي من تجلب هذا لنفسها ،
استعدوا الآن لعقابٍ من أبيكم ".
-
المشهد الثاني - الفصل الأول
سُدل الستار و بعد ثوانٍ آخر رُفع كاشفًا عن غرفة ملكيةٍ فخمة ، منِ
عند العرش الملكي في بداية المسرح اصطفت الحاشيةُ الحارسه و خلفهُ حاملي ريشٍ
يرفعونها و ينزلونها بهدوء بغية جلب الهواء للملك.
في الوسط امتدت طاولةٌ حوت ما تشتهيه الأعين و تطيب بهِ الأنفس مِن طعام
و يحلو للألسن مذاق الشراب ، و في كل المكان صدحت ضحكة الملك بسبب قول الوزير
:" إنهم يطالبون بتخفيض الضرائب ".
فأستسقى المك من كأسه :" مستحيل , خفضناها مع قيمة الشعير و
الخبز مزحة سخيفة منك ".
إحمر وجه الوزير :" لكني لا أمزح سيدي ".
فتسعت عينا الملك و بلحظةٍ غيظ رمى الكأس :" عليك و عليهم اللعنة
!"
أطرق رأسه :" آسف جلالة الملك ".
من الجهة المقابلة لعرش الملك دخلت الأميرة آيروس باكية.
فأمر الملك الوزير بأن ينصرف بإشارة مِن يده و فتح ذراعيه لأبنته فقال
ماسحًا على رأسها :" ما بكِ آيروس حبيبتي ؟"
و أشار لأحد حاشيته فما كان به إلا اظهار الطاعة و الولاء للملك ثم
غادر الخشبة بعد انحناءة
-" تحدثي " قال الملك لابنته
فاض الدمع و قالت :" لو كانت أمي على قيد الحياة لم سخر أخوتي من
شعري المبعثر و لكانت اعتنت هي بشعري لا وصيفة و لا مربية ".
قبل رأس ابنته :" أنتِ كبيرة الآن كفي عن التصرف كطفلة ".
من بداية الخشبة صاح الحاشي :" الأمراء تشارلز يدخلون ".
اصطفوا أمام الملك فقال الأول :" ما الأمر أبي ؟"
فأجاب الملك :" ألا تكفون عن إزعاج أختكم ؟"
قال تشارلز الثاني :" خطأ ، هي من تزعجنا و لا تحبنا ".
تنهد الملك :" مشاكل الشعب أم مشاكلكم ؟" حدث ابنته :"
ألا تسامحينهم هذه المرة ؟ أنا متعب عزيزتي ".
فسألته :" ما بك ؟"
تبعه التوائم تشارلز :" أبي هل أنت بخير ؟"
مسح على رأس ابنته :" بخير بخير ، تشارلز تعال و عاوني ".
فتقدم تشارلز الأول و ساعد والده للنهوض من العرش :" هل تشعر
بالصداع أبي ؟"
-" نعم أحتاج لبعض الراحة فقط ".
عمّ الصمت و لم ينبس أحدهم ببنت شفه حتى عودة تشارلز الأول مجددًا
الذي قال فور دخوله :" هيا لنغادر قبل أن تُلصق فينا تهمًا أخرى ".
فاستدار الثالثة و ساروا لنهاية المسرح متجاهلين نداء أختهم المتكرر
لهم.
فأرتخت على الكرسي و فاضت دموعها مجددًا و تزامت بحديثٍ تكرر فحواه (
لست السبب في موت أمي ، لست السبب ).
بقيت تنحب دقائق كثيرة حتى ولج تشارلز الأول مجددًا لقاعة المك و جلس
بجانب الأميرة و قال :" كفي عن البكاء ، الأميرات لا يبكون _ يقول تشارلز
الثالث الغبي أن البكاء يفسد جمال الوجه ".
كفكفت دمعها و قالت :" ابتعد لا أحب أن يجلس بجانبي من يكرهني
".
زفر ثم استلقى على عرش والده و قال :" من قال أننا نكرهك
؟".
جلست القرفصاء و قالت :" متى أظهرتم لي حبكم ؟"
-" لم تسمحي لنا بذلك ".
-" أممم تشارلز سمعتكم ذلك اليوم تتحدثون مع وزير أبي".
طال صمتها فقال و هو يعبث بزينة العرش :" ثم ؟".
-" قلتم أنني كُنت السبب في موت أمي حيثُ ماتت وهي تلدني ".
لم يجب تشارلز و كان مغمض العينين فهزته آيروس :" هوي هل نمت
؟"
أتى صوت ضاحكٌ و قال :" خطأ ، هو من قال ذلك ". ثم سار
تشارلز الثاني إليهما بخطواته الهادئة.
فتح تشارلز الأول عيناه :" آيروس ذات الدموع ، قبل أن نخرج ما هو
الأمر الذي اردتي اخبارنا به أثناء خروجنا ؟".
رمشت بعيناها :" اه ".
-" أجيبي ".
أطاعت آيروس و قالت :" سمعت جورج الوزير يُحدث الحاشية و من يمر
بالقصر عن امور الدولة المالية و أنها قادرة على جعل شعبها يعيش في رفاهٍ دون دفع
ضرائب حتى لكن الملك _" لم تكمل حيث أصمتها تشارلز :" يكفي ، حتى صوتك
مزعج _ آه أنا أميرٌ نبيلٌ لا أُضربُ ".
استوى جالسًا و قال لتشارلز الثاني الذي دخل للقاعة توًا :" أين
تشارلز ؟ نحن بحاجة لمهاراته الأنثوية ".
-
الفصل الثاني - المشهد الأول.
موسيقى هادئة ملأت المسرح كانت تجلس الأميرة آيروس على كرسي و خلفها
الوصيفة تصفف شعرها.
قالت آيروس :" سيأتي الوزير لمقابلتي بعد دقائق فأنهي تصفيف شعري
بسرعة ".
-" بقي القليل سيدتي ".
-" لا تغادري المكان بعد أن تنتهي فقد أحتاجكِ في أمرٍ ما
".
-" حاضر سيدتي . انتهيت أيتها الأميرة ".
سارت الوصيفة حيث اُسندت مرآة كبيرة حملتها لترى الأميرة نفسها.
أظهرت الأميرة الرضا و أشارت لها بإعادة المرآة لمكانها.
ولجت خادمة و أعلنت :" الوزير جورج يأخذ الأذن بالدخول " و
بإشارةٍ مِن آيروس أومأت الخادمة و سمحت للوزير بالدخول و خرجت هي.
تقدم جورج إلى وسط المسرح و انحنى لآيروس :" احترامي لكِ ".
فقالت له :" أجلس ".
جلس مقابلًا لها و استفسر :" في أي موضوع اردتني ؟".
اطرقت رأسها خجلًا و توردت وجنتاها :" جورج _ أنا ... أنا أنا
أحبك " و أشاحت بوجهها جانبًا.
اتسعت ابتسامة الوزير حتى ما عاد سنٍ في فمه إلا و بان :" عزيزتي
.. كنت أبادلك الشعور طيلة حياتي في القصر لكن ضعيف مثلي لا يطال جلالتكم ".
ابتسمت :" حينها ستكون الملك و أنا الملكة _ لكن لا بد لنا مِن
مواجهة أبي فقد بغى على شعبه فسادًا ".
-" ماذا تعنين ؟".
قالت بحزن :" أنت و زيره و أعلم بأفعال أبي ، رأيته اليوم يرمي
بكأسه عليك و كيف يأخذ الضرائب مِن الشعب ".
أمسك بيديها و قال :" عزيزتي آيروس ، أنتِ محقة سنسعى معًا
لتحقيق دولة شعارها العدل و الإنصاف و هدفها ترفيه شعبها بما تملك مِن أموال ،
سأكون معكِ إلى آخــ _ " و ابتلع لسانه إذ رأى الستارة نُزعت من محلها بفعل
الملك الذي ثار غضبًا فقال :" وزير حقير و أنا الذي أمنتك كل شيء ".
ابتسمت آيروس و قالت :" غبي ، هل رأيت نفسك تستحق حبي ؟".
ضرب الوزير الأرض بقدميه و قال بغضب :" حقيرة ". و هم
بمهاجمة آيروس لولا ردع الوصيفة له :" آوه إنها أختي " و طرحه أرضًا.
قالت آيروس مشدوهة :" أنت تشارلز الثالث فعلًا ؟"
غمز بعينه :" هو بذاته " و أكمل بوتيرةٍ أنثوية :"
الحمدلله أنتِ بخير ".
-
الفصل الثاني - المشهد الثاني
ألتم الجميع في غرفة الملك و أشاد الملك :" تشارلز الأول بذكائك
تستحق أن تكون مستشاري الأول ".
انحنى تشارلز :" شكرًا والدي ، حديثك لي عندما خرجنا أحالني
للتفكير في ما يحصل بيننا و بين أختنا " و ابتسم لآيروس :" رغم أنها
حمقاء ".
قال الثاني :" خطأ ، بل غبية و إلا من أين جعلت ما سمعته سببًا
لعداوتنا ".
ضحك تشارلز الأول بقوة فقالت آيروس راجية :" أبي ".
ضمها بقوة :" اعتادي على ازعاج أخوتك لكن لديك أخت لطيفه "
و ضحك حيث كان يعني الامير تشارلز الثالث.
تنهد تشارلز :" لا تزعجوني ، أنا أحب نفسي كما أنا ".
قال تشارلز الأول :" بأيدينا نهدم علاقات أو نبنيها ، الأمر عائد
لحسن ظننا ببعض و محبتنا و حسن استماعنا و انصاتنا لبعض.
كوننا نحب بعضنا أي نفهم بعضنا و نسامح بعضنا و نتقبل بعضنا البعض رغم
اختلاف شخوصنا و طباعنا .
فنحن نبلاء لكننا بشر نخطئ و نسيء لبعضنا لكن يجب ان نُسامِح حتى
نُسَامَح و نغفر حتى يغفر لنا و نُحِِب حتى نُحَب و نتقبل غيرنا حتى يتقبلنا
الآخرون ".
-
نهاية المشهد
-
خلع روك القناع و قال :" عمل جيد يونا ، آوه أعني آيروس ذات
الدموع " و أنفجر ضاحكًا.
ضربته يونا على رأسه :" تأدب مع الأميرة !"
-" كُنتِ أميرة أما الآن فأنتِ يونا الحمقاء .. ثم اتسمين ذلك
تمثيلًا ؟ ابتلعتِ نصف المشهد و قلتِ مباشرة أحبك ! ".
تنهدت :" مزعج للأبد و في كل مكانٍ أيضًا ".
احببتها جداً، روك وطبعه المزعج اللطيف ^^، ابداع تبارك الرحمن.
ردحذف