الثلاثاء، 6 يونيو 2017

مسرحية " الدمية غريميك " الجزء الأول.










الدمية غريميك
-         الفصل الأول – المشهد الأول

مسرحٌ كبير احتشى الديكور بإتقان و تناسق فذّ. 
بنهايته بابٌ قوي جانبيّ بالقرب منه أرفف حوت عدة كتب بمختلف الأنواع و الآداب و جوارها كرسي مريح و طاولة صغيرة
وسط المسرح ميزه وجود مدخنة كبيرة و تناثر الارائك و الكراسي حولها بعشوائية أنيقة تمازجت مع التحف لتعطي لوحة فنية متكاملة عن غرفة معيشة بطابع كلاسيكي " مرعب "!
في الطرف الآخر كان يوجد سلم يقود للطابق الثاني ( ممر بغرف ). 
فُتح الباب مِن قبل رجل بشعر بني و جسد متوسط الطول يميل للسمنة لحقته فتاة شابة تسدل شعرها الطويل الكثيف قالت له :" بابا ، ألا ترى الامر غريبًا ؟". 
سحب حقيبة سفره مجيبًا ابنته الجميلة :" لا شيء غريب يا صغيرتي تتخيلين فقط ".
لم يبدو الاقتناع بادٍ عليها مع ذلك سايرت والدها :" ربما ، أممم ألن نُقابل صاحب المنزل ؟ الحارس قال أنه موجود هنا ".
اغلق والدها الباب :" أفضل أن نكون وحدنا ، إن كان حارس المنزل غريب الأطوار فكيف بصاحبه ".
نفت الابنة وهي ترفع القبعة عن شعرها :" كان مشدوهًا يا ابتي ".
-" دهشة مزمعة " أخبر الأب بلا مبالاة. 
سارا معًا لوسط الخشبة و تجشم كل منهما كرسيًا يريحه. 
اعترض الأب :" لا أعلم لما كل تلك الشروط المذكورة في العقد " ثم طلب من ابنته :" أخرجي العقد ".
عبثت الابنة بخصلات شعرها المنسدلة :" ليس معي بابا ".
وضع الأب يده على رأسه متململًا :" مهملةٌ أنتِ يا تروزا ".
-" بابا لستُ مهملة لا تلقي بأخطائك عليّ أنت من طبع العقد ، انظر ربما وضعته في حقيبتك ".
جلجلت ضحكة الأب المسرح سائرًا لبدايته حيث ترك حقائبه هناك ثم علق :" محقة محقة ، نسيت أني وضعته هناك ".
عاد الأب لوسط المسرح حينها سُمعت أصوات خطواتٍ من آخر المسرح حيثُ السلم فأدارت تروزا رأسها ناحية أبيها و همست :" لقد أتى ".
توقف شابٌ فارع الطول مرتديًا ثيابًا منزلية فاخرة ، كان مشدوهًا لوجود رجل تبدو البلاهة جلية عليه و فتاة جميلة نهضت حينما انتصب على الخشبة. 
تقدم والد تروزا و بيده العقد الذي لم يعد مرتبًا بسبب الحقيبة. 
عبثًا حاول جعله مرتبًا فأصابه الملل فمده للشاب قائلًا :" تفضل يا سيد دريك ".
أخذ السيد دريك الورقة معلقًا :" هذا عقد إيجار ؟".
سخر الأب :" لا ، عقد لؤلؤ ".
تجاوز الشاب هذه السخرية و قرأ الجزء الأخير من العقد بصوتٍ مسموع 
( و فور تحويل المبلغ لا يحق لك استرداده و لا يحق لي طردك من المنزل قبل انقضاء المدة .
سوف تجد مفتاح الكوخ في صندوق البريد خذه و أدخل المنزل ثم ارني العقد. 
مع أشد تحياتي لك ، L.D ).
تأوه السيد دريك :" آه ، من دلك عليّ ؟"،
أجاب الأب :" عندما كنت ابحث عن مكان نقيم فيه وجدت أحدهم يرشح كوخك رغم أنه كذب في كون الكوخ وسط الجزيرة إلا أنه صدق في كونه جميل ".
انتبه للفتاة التي تركت وسط المسرح و انضمت إلى البقية قائلة :" نعتذر على ازعاجك سيد دريك لسبب ما يبدو قدومنا مفاجئًا لك ".
ابتسم الشاب و لثم يد تروزا بأدب جم ثم قال :" على الأطلاق آنستي الجميلة ، كنت أظن أن اليوم هو الأربعاء لذا تفاجأت بداية الامر ".
تدخل الأب :" هل سنطيل الوقوف ؟ ألا يمكنك ارشادنا إلى غرفنا ؟".
-" آسف سيدي ، هل يمكنكما الانتظار بعض الوقت أيضًا ؟ حتى أتأكد من أن كل شيء جيد ".
-" لا تتأخر من فضلك نحن متعبان ".
أجابه و هو يلقي بنظرة نحو ابنته :" حاضر ".
حينما اختفى المُضيف عن أعينهما قال الأب قاصدًا وسط المسرح ليرتاح :" هذا الرجل لا يريحني أبدًا ، بالأخص نظراته لكِ ".
أصرت الفتاة على فكرتها :" بابا صدقني أنه متفاجئ بقدومنا ".
أشاح بيده بكسل :" لا يهمني ، كل ما أريده الآن هو الراحة ". 
صدر صوت لضوضاء من الطابق العلوي الذي لم يظهر منه على المسرح فرفع الأب رأسه في حين قالت تروزا :" أشعر أننا سنواجه مشاكل هنا ".
لم تكد تنهي جملتها حتى دخل شاب آخر لكنه أصغر سنًا من السيد دريك ، كان يسير بطريقة آلية فتشبثت الفتاة بذراع أبيها و همست :" بابا إنه ليس حقيقيًا ".
لم تكن ملامح ترتسم على دمية الانسان هذه لكن بريق عينيها الخضراوين الزجاجيتين كان مثيرًا للأعجاب بحق !
دوى صوتٌ لأغلاق الباب فانسحب الألي بسرعة و خفة مما جعل الفتاة ترتعب أكثر. 
نزل السيد دريك المسرح فتركت الفتاة كرسيها و سارت لنهاية الخشبة عند السلم و قالت :" قبل قليل دخلت دمية تشبه الانسان _ بطولي تقريبًا فهل هذه تخصك ؟".
تنفس الشاب بحدة لكنه عالج الامر بنبرة مطمئنة :" لا تخافي أيتها الآنسة الصغيرة ، إنه خادمٌ آلي هنا ".
أخبرته الفتاة :" اسمي تروزا فارو ".
انحنى بأدب :" تشرفت بلقائك و أعتذر للتأخير _ دعيني أدلك على غرفتك ثم أعود و أوقظ أباكِ و أدله غرفته فكما يبدو أنه نام ".
-" شكرًا لك " قالت الفتاة ثم تجاوزت السيد دريك لكنها توقفت :" آه ، نسيت الحقائب ".
رفع الآخر يده معترضًا طريقها :" دعيها لي من فضلك ، سأتكفل بها ".
أومأت ثم سألت مشيرة إلى ممر الغرف :" اخبرني من فضلك أيها خاصتي ".
أشار إلى أحداها ثم رقب الفتاة على اختفت خلف باب غرفتها. 
اختفت الابتسامة اللطيفة من على وجه الشاب وحل محلها ملامح الضيق و الانزعاج :" لورد الظلام سأنتقم منك ، تضع اسمك على أنه توقيع لاسمي " هز الرجل :" كيف اتخلص من هذا المزعج ، لا ادري كيف اصبحت تلك الجميلة ابنته _ هيي يا سيد فارو أكمل نومك في غرفتك ، مفسد الخطط تبًا " هزه بقوة أكثر مما جعل بطنه الممتلئ يهتز فأفاق بعدها. 
اسند الرجل إلى كتفه وساعده بالوصول حتى نهاية المسرح ثم إلى غرفة كانت بجوار غرفة ابنته. 
ما أن أغلق الباب حتى سمع صوت طرق باب في الاسفل فحث خطاه و عاود النزول متذمرًا :" ما هذه الليلة المزعجة ". 
توقف ببداية المسرح حيث الباب ، أطل من العين السحرية ثم قال :" لا أحد يظهر منها _ الحارس الغبي ماذا كان يفعل ؟".
أنزل مقبض الباب فدُفع بسرعة و برشاقة وخفة دخل فتى قصير القامة متشحًا بالسواد. 
أبعد قبعته فبان شعره الأبيض و تناثر عند كتفيه بعشوائية جميلة ، رفع عيناه الزرقاوان و حيا الشاب الطويل :" مرحبًا بك ، ألتقينا مجددًا " رفع ورقة العقد :" أنا نزيل هنا أيضًا و لا يمكن لأحد اثبات ان العقود كانت مزورة و لا يعلم بهذا سواك و أنا " سحب حقيبة من خلف الباب مكملًا :" و تعلم أنه ليس من الحكمة أن تبلغ الشرطة عني فأنت مطلوب أصلًا ".
صفع السيد دريك بالباب فدوى صوت قوي تبعه قوله :" يا لك من مزعج تأتي في أوقات خاطئة دومًا كالحازوقة تمامًا _ هه لورد الظلام مفسد الخطط . ماذا تريد هذه المرة ؟".
-" تلك الدمية ، لديك خطط سيئة ستقوم بها بفضلها ".
قلد دريك لورد الظلام بسخرية :" تلك الدمية " ثم سار ملقيًا له ظهره :" إنه غريميك أيها الأحمق ، بذكاء اصطناعي يفوقك و يفوق أي شخص آخر ذكاءً ".
تجاهل لورد الظلام حديث غريمه حيثُ قال :" ضحيت بنسختي الوحيدة لمنزلك لأجل هذان الاثنان ، إن كنت تتساءل عن سبب احضارهما فهما عائقٌ لك لأنه إن كنت الوحيد الموجود لن يشكل لك الامر فرقًا أن تكمل عملك و تتجاهلني لأني أعلم حقيقتك لكن أناس أبرياء أمثال هؤلاء لن يجعلوك تعمل كما تشاء و إن انتبهوا لتصرفاتك المريبة فسيبلغون الشرطة حالًا ".
كان كل منهما يتجاهل حديث الاخر فقد رد السيد دريك بتهديد :" إياك و الاقتراب من دميتي ".
و ابتلع الظلام المسرح دقيقتان كاملتان , بعدها كُسر الصمت القاتل بأصوات عبث شخص بشيء ما...
على صوتُ السيد ديريك بسخط :" كف يداك عنها !".
أنارت الأضواء الجزء الأوسط من المسرح فبان الشاب الصغير – لورد الظلام – و يده على الدمية .. و ابتلع الظلام المسرح للمرة الثانية.


-         الفصل الأول – المشهد الثاني

أنير المسرح فبان السيد فارو و ابنته الجميلة أمام الباب بملابس الخروج , بغضب ضرب السيد فارو الباب بقوة صائحًا :" إنه لا يُفتح !".
تنهدت تروزا :" أبي لا حاجة لأن تغضب على كل أمر , سيأتي الآن السيد دريك و نرى ما المشكلة " ثم أشارت بسبابتها للشخص الذي يهبط درجات السلم :" ها هو ذا وصل ".
سأل السيد دريك أثناء سيره لآخر المسرح حيث يقف الأثنان :" ما الأمر ؟".
سبقت الفتاة أباها بالحديث :" الباب لا يُفتح ".
عقد السيد دريك حاجبيه باستغراب :" غريب !".
حدث الأب ابنته ساخرًا :" هذا من سيحل الأمر ؟".
بذات الوقت بالجزء الأعلى من المسرح أطل لورد الظلام كما يسميه السيد دريك قائلًا :" إنه لا يستطيع قتل ذبابة حتى يعالج أمر الباب ".
علّق السيد فارو :" هذا المنزل مزدحم , هل هذا نزيلٌ أيضًا ؟".
-" آه " أجاب السيد دريك ثم أردف بنبرة متضايقة :" إنه أخي الأصغر , كان نائمًا حينما أتيتم ".
قلب نظره بينهما ثم أشاح بيده :" إنكما مختلفان بشكل جذري ".
وضع لورد الظلام يده على فمه مانعًا ضحكة من الهرب من بين شفتيه لكن أفلته فجأة في صرخة .
ترك الشاب الطويل محاولة فتح الباب و استدار لمصدر الصرخة مع إدارة الأب و ابنته رؤوسهم أيضًا.
كانت الدمية قد دفعت بالشاب الصغير لكنه تدارك الأمر و تمسك بدرابزين الدرج تشبثت الفتاة بذراع أبيها و همست له :" ألم أقل لك أننا سنواجه مشاكل هنا ؟".
أحاطها بذراعيه قائلًا بنبرة حنونة :" أنتِ بحمايتي ".
بذاتِ الحين ركض دريك و توقف في منتصف المسرح ثم دفع طاولة :" تمسك " أمر لورد الظلام ثم وقف فوق الطاولة و أنزل الشاب القصير ثم همس له :" ستخبرني ماذا فعلت بغريميك ".
تحدثت الدمية , كان صوتها جهوريًا قويًا و يحمل تهديدًا واضحًا :" أنتم لن تخرجوا من هنا , لا باب سيُفتح فأنا غريميك سيدكم ".
سخر السيد دريك :" بل أنت دمية خادمة لي ".
جلجلت ضحكة المسرح , الغريب أن الصوت الآلي تلاشى و بدى الصوت بشريًا نقيًا فارتسمت علامات الدهشة على أوجه الجميع استثناء الفتاة التي ارتعبت مما حصل .
علا صوت الدمية أكثر :" لستُ دمية بل أنا بشري .. أنا البشري غريميك بفضل هذا الأحمق و عبثه تحررت من سيطرتك عليّ ".
صاح دريك بوجه لورد الظلام :" أيها الغبي , أرأيت ماذا فعلت ؟".
قفز لورد الظلام من على الطاولة قائلًا ببساطة :" نعم ".
تحرك غريميك بحركة آلية تقريبًا نازلًا الدرج :" أنا بشري , و سأعيش حياة البشر و ...".
بتر السيد دريك حديثه :" كف عن الثرثرة , سأعيد برمجة أنظمتك ".                 
لمعت عيناه الزجاجيتان الخضراوان حينما انتصب واقفًا على خشبة المسرح , ساد صمت ثقيل رفعته صرخة ألم صدرت من الرجل .
أدار السيد دريك و أخاه المزمع رأسهما نحو مصدر الصوت فشاهدا السيد فارو يحتضن ابنته بقوة تلاشت سريعًا ففقد قواه و حمته يدا ابنته المدمعة العينين من السقوط أرضًا .
و اختفى غريميك ...
ألتم حوله لورد الظلام و غريمه الذي بدأ بالفحص بعد إبعاد تروزا التي تستطع حبس دموعها أو خوفها.
سألت بنبرة مضطربة :" هل بابا بخير ؟".
أجاب اللورد :" إنه نائم فقط , أظن ".
أما السيد دريك فتنفس بحدّة ثم أخبر :" لنساعده أولًا للاستلقاء على الأريكة ".
فأخذ الشابان الطويل و القصير هذه المهمة على عاتقهما و رفعا السيد فارو على الأريكة بالقرب من المدفئة .
طلب السيد دريك :" آنستي من فضلك " ثم سحب الكرسي مشيرًا لها بالجلوس .
أطاعت مبدية ملامح الحذر منهما.
:" الدمية تحمل ذكاءً اصطناعيًا يُمكنها من العيش وحدها معتمدة عليه و أنا اسيطر عليها لكن إن خرجت عن السيطرة - و هذا ما حصل - ستكون كارثة حيثُ و في الحقيقة هي مصممة لهدف ما و هناك احتمالان ستحقق الهدف أو تتمرد ".
كانت تروزا تعبث بتوتر بخصلات شعرها :" و بابا ؟".
مرر السيد دريك يده عبر خصلات شعره :" لا تقلقي آنستي ، إنه منوم فقط كنتِ الهدف لكن والدك حماكِ ليس و كأن غريميك أخطأ بل الحب هزمه ".
استفسر لورد الظلام :" كيف حصل و نام ؟".
أبعد السيد دريك عينيه عن الآنسة فارو نظر لغريمه من اللحاظ :" إنه مُسلح بمخدرات و عدة أنواع من السموم _ و السيد فارو خُدر فقط ".
لكز اللورد السيد دريك ثم أشار للفتاة و همس له :" هي لم تتوقف عن البكاء ماذا نفعل معها ؟".
تنهد دريك ثم استدار للفتاة و قال :" آنستي لا تقلقي لن يحصل لوالدك سوء _ سأحاول تدارك الامر ".
سألت بوتيرة تشي بخوف الفتاة :" أين هو غريميك هذا ؟".
استشرف عاتقا دريك :" لستُ أدري ، لديه امكانيات هائلة للاختفاء و التنقل حيث يستطيع طي نفسه أو التعلق و .. و أيضًا تصوير صور غير حقيقية سواء له أو لغيره ".
-" من صنعه ؟".
-" أنا ".
امسكت تروزا بيد أبيها مستفسرة :" متى سيفيق ؟".
نظر السيد دريك لساعته :" بعد دقيقة ".
شدت قبضتها على يدي والدها. 
تحدث لورد الظلام :" كيف نخرج من هنا الان ؟".
-" لا سبيل لهذا إلا بإيقاف غريميك ".
كفكفت تروزا دموعها و ارتسمت عليها ابتسامة :" بابا ، هل أنت بخير ؟".
وضع السيد دريك يده على رأسه و تأوه :" ما الذي يجري ؟" ثم حاول الجلوس باعتدال .
دفنت تروزا رأسها في حضن أبيها :" اقلقتني عليكِ بابا ".
ابتسم و مسح على رأسها :" آسف ".
بدأت الأنوار تضطرب فبعضها يضيء و الآخر ينطفأ فحذّر السيد دريك :" ابقوا جوار بعضكم و حذار من تصديق أي شيء ترونه !".
ثم نهض و وقف أمام النزيلان و قال :" من الأفضل أن تغلقا أعينكما ".
نفى السيد فارو :" لن أفعل , و كذا أنتِ ابنتي لا تفعلي ".
أومأت و رمت الشاب الطويل بنظرة عناد :" لستُ أثق بك , إنه شرير هذا يعني أن من صنعه بالمثل ".
زفر السيد دريك بأسى ثم أدار رأسه يمنى حيثُ همس له لورد الظلام :" أوه يا عزيزي كأن فرصك تتلاشى ".
-" اصمت , ثم أبدل ثيابك أنت دون شيء لا تُرى كيف بهذه الثياب السوداء ؟".
ابتسم الآخر ببراءة :" كن أكثر لطفًا مع أخاك الأصغر ".
-" تبًا لهذه المصيبة التي وضعتُ نفسي فيها !".
تبادلت تروزا مع أبيها نظرات الاستغراب ثم همست له :" بابا , تصرفاتهم مثيرة للريبة ".
وافقها بهزة رأس ثم ترك الأريكة و انتصب بين الاثنين :" أنتما أحمقان أم أحمقان ؟ نحنُ في وضع لا يسمح بشجاركما و تصرفاتكما الغريبة ".
همّ الاثنان بالرد لولا غوص المسرح بالظلام الكامل فجأة.
استدار الأب بفزع خلفه :" تروزا .. تروزا ! أنتِ هنا ؟ اجيبيني ".
حرك لورد الظلام يده بعشوائية في ظلام المسرح حتى أمسك بيد السيد فارو :" انتظر , و لا تتحرك ".
-" لكن تروزا .. إنها لا تجيب , أفلت يديّ ".
-" لا تقترب من الأريكة !"
عادت بعض الأضواء للعمل و أولها تلك التي فوق الأريكة فكشفت عما أخفاه السواد ...
كانت تروزا مرخية الرأس و غرست سكينة بعنقها !
أحاط السيد دريك يده على عنق السيد فارو و بيده الأخرى قبض على يده بقوة مانعًا إياه من الذهاب للجثة :" لا تتحرك ، لا تفعل ".
صاح السيد دريك متألمًا بسبب مرفق الأب الذي ثقب معدة دريك لكن حتى مع هذا نصب قدميه بشكل أكبر على المسرح و أصر :" ليست ابنتك ، ليست تروزا !".
-" اتركني حتى اتأكد " قال السيد فارو اثناء حركته المفرطة للتحرر من قبضة الشاب الطويل.
أصر السيد فارو :" أتركني " ثم عضّ ذراع السيد دريك التي تحيط رقبته ففلت من قبضته. 
صاح المُضيف :" تبًا " ثم ادار رأسه متسائلًا :" أين ذهب ذلك الفأر ؟".
بذات الوقت جلس الأب على ركبتيه أمام الجثة الهامدة و رفع يداه ليتحسس وجهها لكنه تجمد في مكانه حينما رفعت رأسها و حدقت به بابتسامة خبيثة. 
اتسعت حدقتا عيناه رعبًا و فغر فاه ثم تراجع زحفًا للخلف و نادى :" تروزا ؟".
تدخل السيد دريك بسحبه من قميصه للخلف معاتبًا :" أخبرتك ليست هي _ تراجع ".
-" لا.. لـ.. لا استطيع الحراك قدماي متخدرتان __ أريد تروزا ابنتي تروزا " قال فارو بأنفس متقطعة و ما زال محدقًا لابنته المزيفة على حد زعم دريك !
حاول السيد دريك طمأنته :" ستعود ، صدقني هذا أحد صور غريميك إن له القدرة على تصوير الاشخاص " توقف عند نهاية المسرح من المنتصف كما توقف عن جر الأب ثم اردف :" لا تنظر _ أبعد نظرك ".
أعانت قدما السيد فارو - أخيرًا - على الوقوف فتجاهل وجود الذي أعانه وحدث ابنته المصورة التي كانت تقترب منهما :" أيها الدمية الغبية أعيدي ابنتي أو سأسكب عليكِ نهرًا من الماء ثم أطلقي الويلات ".
حطم الرجل الآخر تهديد الأب ببساطة :" إنه مضاد للماء لن يتأثر ".
فأقترح امرًا آخر :" لن نقوم بشحنك عندما تنتهي بطاريتك ".
فكتم الشاب ضحكته :" يستطيع اعادة شحن نفسه بنفسه ".
نظر الآخر باستخفاف للسيد دريك ثم ابتعد عن أمامه و حدث الصورة الثلاثية الأبعاد :" اقتليه و أريحيني ".
استشرف عاتقي الشاب ثم قال :" أيها العبقري ، إنها مجرد صورة لن تستطيع فعل شيء إلا اذا ..." أكمل بصوتٍ ضعيف حينما سقط الأب أرضًا :" اطلت النظر إليها ".
بدأت الصورة تُظهر أصواتًا غريبة تتبعها ضحكات خفيفة لكن السيد دريك كان يتجاهل وجودها اثناء سحب السيد فارو لمكان قصي على خشبة المسرح. 
دس يديه في جيبيه ثم أخذ نفسًا عميقًا و سار بثبات نحو غريميك حتى اصدر حذاءه صوت طقطقة اختفت عندما داست قدماه على السجادة المفروشة. 
تحدث بوتيرة هادئة لم يكن ينظر للصورة بل كأنما كان يرَ شيئًا في الفراغ لا يراه الاخرون :" عندما صنعتك كنت أعلم أن هناك امران من الممكن أن يهزمانك ، الخير أولًا و الحب ثانيًا 
أنا مطمأن أن تروزا بخير لأن حب أبيها لها يحميها لكن أنت ستكون لك نهاية مؤلمة _ أظهر نفسك ".
بقيّ ثوانٍ معدودة ثم تزامن قوله مع اضطراب الأنوار :" ستعطل الاضاءات " ضحك ثم أردف بعد برهة :" ألم أقل لك ؟ أنت حاسب في النهاية مجرد قطعة خردة و شيء بلا قلبٍ حقيقي من المستحيل أن يُسمى أنسانًا ".
ظهرت الدمية بعد بعد أن بقي ضوء واحد فقط يعمل مصفقًا :" أحسنت ، أحييك _ لكن ليس بعد ".
-" ماذا تريد ؟".
-" حذار ، لا تظن أني لن أقتلك لأنك صانعي ".
-" هذه الدراما مملة ، آه بذكر الملل أين ذهب العدو ؟".
-" أنت أمامي ".
-" لا أيها الغبي أعني لورد الظلام ".
-" ربما مر من تحتك قبل قليل ".
تنهد و بدى الاستياء واضحًا عليه حين قال :" يبدو أن حساساتك الخلفية لا تعمل بشكل جيد ".
بان لورد الظلام من خلف غريميك الطويل لمّا استدار للخلف بعد قول سيده. 
لوح لورد الظلام :" يوء ، لابد من أن أنتقم لتلك الاسقاطة _ جعلت عدوٍ ينقذني ".
صدرت صوت عمل أجهزة تزامنًا مع قول غريميك :" هذه المرة لن يسع له فعل شيء ".
استشرف عاتقي السيد دريك و اقترب قليلًا من الدمية :" ألم أخبرك أنه متسرع ؟" ثم ضحك مردفًا :" لا تكن قاسيًا كثيرًا غريميك ".
تحدث غريميك بحزم :" لست سيدي لتتحدث معي بهذه الطريقة الآن ".
اشتم لورد الظلام ثم سد أنفه و تراجع للوراء قائلًا بقرف :" حليب " أكمل للسيد دريك و هو يتراجع للوراء على الخشبة :" هل كنت تفكر كالأطفال حينما وضعت هذا الشيء في الدمية ؟".
تجاهل دريك سؤال لورد الظلام و حدث الدمية :" ماذا تريد الآن ؟".
-" بعض العذاب " أجاب بصوتٍ عميق تبعه ظلامٌ ديجور على الخشبة. 
عشر ثوانٍ مرت بالظلام برفقة صوت أنين مجهول المصدر حتى أنير جانب الطرف الأيسر من المسرح فقط فبانت الآنسة فارو تستند على جدار مقيدة اليدين وفمها مكمم. 
عبثًا حاولت التحرر بحركتها الكثيرة أو حتى ابعاد الشريط الاصق عن فمها. 
تتوقف تروزا عن الحراك عند سماعها صوت طقطقة على الخشبة ، رفعت رأسها ونظرت بترقب. 
كشف الجزء المنار من الخشبة هوية مسبب الضجة ، الدمية غريميك. 
توقف أمام الآنسة فارو ثم انحنى و أزال الشريط بقوة جعلت ملامح تروزا تنقبض و اصدرت آنة.
ضحك بسخرية :" اوه تألمتِ ؟".
-" لا " أجابته بنبرة ثابتة لم تهتز.
أمال رأسه وبانت على وجهه ملامح ساخرة :" آوه فتاة شجاعة ".
-" ماذا حصل لوالدي ؟".
فرقع أصبعه فتسائلت :" هل جلدك حقيقي ؟".
أجابها بنبرة متفضلة :" حقيقي ".
-" لكن ... ".
بترت الدمية حديث الفتاة قائلة :" سأخبرك ، لقد اشترى جسد شخص ميت .. أخذ جلده ثم أحرق بقية الجسد ".
شخصت الفتاة بصرها دهشة. 
ضحكت الدمية و تحدث بنبرته الساخرة :" فتاة رقيقة مسكينة ، لا تعرف شيئًا عن الشر " فرقع أصبعه مجددًا فأنير جزء من وسط الخشبة ألقيت في وسطه جثة - السيد فارو -
صاحت الفتاة بنبرةٍ منكسرة و الدمع نثار :" أبي ".
أصطنعت الدمية ملامح التأثر :" آوه ، آلمت قلبك يا جميلة ؟".
-" لم ؟ اخبرني لم " لم تستطع رفع نبرتها بل كانت منخفضة كمن لاقوة و لا حول له. 
ضبطت الدمية غريميك وقفتها :" بُرمجت على كل شيء ، قول الصدق ، الكذب ، الغدر و الخيانة و كل شيء حتى إلى القدرة على الحديث بشكل متناسق و مفهوم. 
استطيع تحدث و قراءة عدة لغات و صُنعت بكل هذه المهارات على يد دريك ، التي مدت كفها برزم النقود لتشتري أي شيء يجعلني أنافس الانسان الحقيقي.
استخدم قرابة مئة جسد بشري ثم يضع فخاخًا لمن يحملون له الجثث لتصطادهم الشرطة و يتخلص منهم ، و للمعلومات الازمة لم يكن يثق بالكتب وحسب بل أطباء ، جراحة ، نفسيين و كل التخصصات و كل من اتى إليه اختفى من الوجود مع كل شيء يخصه كأنما اختفى من الوجود. 
و هناك أيضًا أساتذة اللغة و الأدب و التاريخ و غيرهم ، لكن حسبما أعرف أن كل من استخدم كانت له خلفية من الجرائم. 
و هناك الكثير من الأعمال الاجرامية التي قام بها لكن اخبرتك بما يكفي ، و أنا صنعت لأحقق له غايته ، اخضاع أي شيء في الوجود له مهما كان !".
صمتت ، لم تعلق إلا بعد ثوان :" و أخاه هو الذي أفسد هذا الامر ؟".
-" نعم ، فأنا حساس للغاية و من حسن الحظ أنه عبث بتلك المنطقة حتى اتحرر من سيطرته و أخضع الجميع لسيطرتي أنا " و رجع للخلف مقهقهًا و ما زال صوته مجلجلًا حتى خفوت الضوء تدريجيًا و توقف حين أنير المسرح كاملًا معيدًا المشهد للورد الظلام و غريمه و السيد فارو الذي يقلب عينيه بينهما بلا فهم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق